معاني القرآن للفراء - الفراء  
{وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوۡمٍ خِيَانَةٗ فَٱنۢبِذۡ إِلَيۡهِمۡ عَلَىٰ سَوَآءٍۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلۡخَآئِنِينَ} (58)

وقوله : { وَإِما تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً }

يقول : نقض عهد { فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ } بالنقض { على سَوَاء } يقول : افعل كما يفعلون سواء . ويقال في قوله : { على سَوَاء } : جهرا غير سرّ . وقوله : { تَخافَنّ } في موضع جزم . ولا تكاد العرب تدخل النون الشديدة ولا الخفيفة في الجزاء حتى يَصِلوها ب ( ما ) ، فإذا وصلوها آثروا التنوين . وذلك أنهم وجدوا ل ( إما ) وهي جزاء شبيها ب ( إما ) من التخيير ، فأحدثوا النون ليعلم بها تفرقةُ بينهما ؛ ثم جعلوا أكثر جوابها بالفاء ؛ كذلك جاء التنزيل ؛ قال : { فَإما تَثْقَفَنَّهُمْ في الحربِ فشَرِّد } ، { فإما نُرِيَنَّك بعض الذي نَعِدهم } ثم قال : { فإلينا يرجعون } فاختيرت الفاء لأنهم إذا نوَّنوا في ( إما ) جعلوها صَدْرا للكلام ولا يكادون يؤخّرونها . ليس من كلامهم : اضربه إما يقومَنَّ ؛ إنما كلامهم أن يقدّموها ، فلما لزمت التقديم صارت كالخارج من الشرط ، فاسحبوا الفاء فيها وآثروها ، كما استحبّوها في قولهم : أما أخوكم فقاعد ، حين ضارعتها .