فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{ثُمَّ بَعَثۡنَا مِنۢ بَعۡدِهِۦ رُسُلًا إِلَىٰ قَوۡمِهِمۡ فَجَآءُوهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ فَمَا كَانُواْ لِيُؤۡمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ بِهِۦ مِن قَبۡلُۚ كَذَٰلِكَ نَطۡبَعُ عَلَىٰ قُلُوبِ ٱلۡمُعۡتَدِينَ} (74)

{ ثم بعثنا من بعده } أي من بعد نوح عليه السلام { رسلا إلى قومهم } لم يسم هنا من كان بعد نوح من الرسل ، وقد كان بعده هود وصالح وإبراهيم ولوط وشعيب { فجاؤوهم بالبينات } أي المعجزات الباهرات والدلالات الواضحات وبما أرسلهم الله به من الشرائع التي شرعها لقوم كل نبي { فما كانوا ليؤمنوا } أي فلما أحدثوا الإيمان بل استمروا على الكفر وأصروا عليه .

والمعنى أنه ما صح ولا استقام لقوم من أولئك الأقوام الذين أرسل الله إليهم رسله أن يؤمنوا في وقت من الأوقات { بما كذبوا به من قبل } أي من قبل تكذيبهم الواقع منهم عند مجيء الرسل إليهم ، والمعنى أن كل قوم من العالم لم يؤمنوا عند أن أرسل الله إليهم الرسول المبعوث إليهم على الخصوص بما كانوا مكذبين به من قبل مجيئه إليهم ، لأنهم كانوا غير مؤمنين بل مكذبين بالدين ولو كانوا مؤمنين لم يبعث إليهم رسولا ، وهذا مبني على أن الضمير في { كانوا وكذبوا } راجع إلى القوم المذكورين في قوله { إلى قومهم } وقيل ضمير كذبوا راجع إلى قوم نوح أي فما كان قوم الرسل ليؤمنوا بما كذب به قوم نوح وقيل المعنى بما كذبوا به من قبل أي في عالم الذر .

{ كذلك } أي مثل ذلك الطبع العظيم المحكم { نطبع } بنون العظمة ، وقرئ بالياء على أن الضمير له { على قلوب المعتدين } أي المتجاوزين للحدود المعهودة في الكفر والعناد المتجافين عن قبول الحق وسلوك طريق الرشاد وذلك بخذلانهم وتخليتهم وشأنهم لانهماكهم في الغي والضلال وقد تقدم تفسير هذا في غير موضع .