قوله تعالى : { لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ } : فيه أقوالٌ ، أحدها : أنه استثناءٌ منقطع ، وذلك أن تَجْعَلَ عاصماً على حقيقته ، ومَنْ رَحِم هو المعصوم ، وفي " رَحِم " ضميرٌ مرفوعٌ يعود على اللَّه تعالى ، ومفعولُه ضميرُ الموصولِ وهو " مَنْ " حُذِف لاستكمالِ الشروط ، والتقدير : لا عاصمَ اليومَ البتةَ مِنْ أمر اللَّه ، لكن مَنْ رَحِمه اللَّه فهو معصوم . الثاني : أن يكونَ المرادُ ب " مَنْ رَحِم " هو الباري تعالى كأنه قيل : لا عاصمَ اليومَ إلا الراحمَ . الثالث : أن عاصماً بمعنى مَعْصوم ، وفاعِل قد يجيءُ بمعنى مفعول نحو : ماء دافق ، أي : مدفوق ، وأنشدوا :
2666 بطيءُ القيامِ رخيمُ الكلا *** مِ أَمْسى فؤادي به فاتِنا
أي مفتوناً ، و " مَنْ " مرادٌ بها المعصومُ ، والتقدير : لا معصومَ اليومَ مِنْ أَمْرِ اللَّه إلا مَنْ رحمه اللَّه فإنه يُعْصَم . الرابع : أن يكون " عاصم " هنا بمعنى النَّسَب ، أي : ذا عِصْمة نحو : لابن وتامر ، وذو العصمة ينطلق على العاصم وعلى المعصوم ، والمرادُ به هنا المَعْصوم .
وهو على هذه التقاديرِ استثناءٌ متصلٌ ، وقد جعله الزمخشري متصلاً لمَدْرك آخرَ ، وهو حذفُ مضافٍ تقديرُه : لا يعصمك اليومَ معتصِمٌ قط مِنْ جبلٍ ونحوِه سوى معتصمٍ واحد ، وهو مكان مَن رحمهم اللَّه ونجَّاهم ، يعني في السفينة " .
وأمَّا خبرُ " لا " فالأحسنُ أن يُجْعل محذوفاً ، وذلك لأنه إذا دلَّ عليه دليلٌ وَجَبَ حذفُه عند تميم ، وكَثُر عند الحجاز ، والتقدير : لا عاصمَ موجودٌ . وجَوَّز الحوفي وابن عطية أن يكون خبرُها هو الظرف وهو اليوم . قال الحوفي : " ويجوز أن يكونَ " اليوم " خبراً فيتعلَّق قالاستقرار ، وبه يتعلق { مِنْ أَمْرِ اللَّهِ } . وقد رَدَّ أبو البقاء ذلك فقال : " فأمَّا خبرُ " لا " فلا يجوز أن يكونَ " اليوم " ؛ لأنَّ ظرفَ الزمان لا يكون خبراً عن الجثة ، بل الخبر { مِنْ أَمْرِ اللَّهِ } و " اليوم " معمولُ { مِنْ أَمْرِ اللَّهِ } .
وأمَّا " اليومَ " و { مِنْ أَمْرِ اللَّهِ } فقد تَقدَّم أن بعضهم جَعَل أحدَها خبراً ، فيتعلَّقُ الآخر بالاستقرار الذي يتضمنَّه الواقعُ خبراً . ويجوز في " اليوم " أن يتعلَّقَ بنفس { مِنْ أَمْرِ اللَّهِ } لكونِه بمعنى الفعل . وجَوَّز الحوفي أن يكون " اليوم " نعتاً ل " عاصم " ، وهو فاسدٌ بما أفسدَ بوقوعِه خبراً عن الجثث .
وقُرىء { إِلاَّ مَن رَّحِمَ } مبنياً للمفعول ، وهي مقويةٌ لقولِ مَنْ يَدَّعي أنَّ " مَنْ رَحِم " في قراءة العامة المرادُ به المرحوم لا الراحم ، كما تقدَّم تأويلُه . ولا يجوز أن يكون " اليوم " ولا { مِنْ أَمْرِ اللَّهِ } متعلِّقين ب " عاصم " وكذلك الواحد منهما ؛ لأنه كان يكون الاسمُ مطوَّلاً ، ومتى كان مطوَّلاً أُعْرِبَ ، ومتى أُعرب نُوِّن ، ولا عبرةَ بخلاف الزجاج : حيث زعم أن اسمَ " لا " معربٌ حُذِفَ تنوينُه تخفيفاً .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.