قوله : { وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ } يجوزُ أنْ يَكُونَ " لكم " الخبر ، وفي القصاص يتعلق بالاستقرار الذي تضمنه " لكم " ، ويجوزُ أن يتعلَّقَ بمحذوفٍ على أنَّهُ حالٌ من " حياةٌ " ، لأنه كان في الأصل صفةً لها ، فلمَّا قُدِّم عليها نُصِبَ حالاً ، ويجوزُ أن يكونَ " في القصاص " هو الخبرَ ، و " لكم " متعلقٌ بالاستقرارِ المتضمِّن له ، وقد تقدَّم تحقيقُ ذلك في قولِهِ : { وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ } [ البقرة : 36 ] ، وهناك أشياءُ لا تَجِيءُ هنا .
وقرأ أبو الجوزاء " في القَصَص " والمرادُ به القرآنُ . قال ابن عطية : " ويَحتمل أن يكون مصدراً كالقِصاص ، أي إنه إذا قُصّ أثرُ القاتِلِ قَصَصَاً قُتِلَ كما قَتَل " .
والقِصاصُ مصدرُ قَصَّ أي : تَتَبَّع ، وهذا أصلُ المادة ، فمعنى القِصاص تتَبُّعُ الدم بالقَوَد ، ومنه " القصيص " لما يُتَتَبَّعُ من الكلأ بعد رَعْيِهِ ، والقَصَصُ تَتَبُّع الأخبار ومثله القَصُّ ، والقَصُّ أيضاً الجِصُّ ، ومنه الحديث :
" نهى عليه الصلاة والسلام عن تقصيص القبورِ " أي تَجْصيصِها .
ونظيرُ هذا الكلامِ قولُ العرب : " القتلُ أَوْفَى للقتل " ويُرْوى أَنْفَى للقتل ، ويُرْوَى : أَكفُّ للقتَل . وهذا وإنْ كان بليغاً فقد أَبْدَتِ العلماءُ بينه وبين الآية الكريمةِ وجوهاً عديدةً في البلاغةِ وُجِدَتْ في الآية الكريمة دونَه ، منها : أنَّ في قولِهم تكرار الاسم في جملةٍ واحدةٍ . ومنها : أنه لا بُدَّ من تقديرِ حذفٍ لأنَّ " أَنْفَى " و أَوْفَى " و " أكفُّ " أفعلُ تفضيلٍ فلا بدَّ من تقديرِ المفضَّل عليه ، أي : أنفى للقتل مِنْ ترك القتل . ومنها : أنَّ القِصاصَ أَمُّ إذ يوجدُ في النفس وفي الطَّرَف . والقتلُ لا يكونُ إلا في النفس . ومنها : أنَّ ظاهرَ قولِهم كونُ وجودِ الشيء سبباً في انتفاء نفسِه . ومنها : أنَّ في الآية نوعاً من البديع يُسَمَّى الطباق وهو مقابلةُ الشيء بضده فهو يُشْبِهُ قوله تعالى : { أَضْحَكَ وَأَبْكَى } [ النجم : 43 ] قوله : { يأُولِي الأَلْبَابِ } منادى مضافٍ وعلامةُ نصبِهِ الياءُ . واعلم أن " أولي " اسمُ جمعٍ لأنَّ واحدَه وهو " ذو " من غير لفظِه . ويَجْرِي مَجْرَى جمعِ المذكرِ السالم فِي رفعِهِ بالواوِ ونصبِه وجرِّه بالياء المكسورِ ما قبلها ، وحكمهُ في لزوم الإِضافة إلى اسمِ جنسٍ حكمُ مفردِه . وقد تقدَّم في قولِه : { ذَوِي الْقُرْبَى } [ البقرة : 177 ] ويقابِلُه في المؤنث : أُولات : وكُتِبا في المصحفِ بواوٍ بعد الهمزةِ قالوا : لِيُفَرِّقوا بين " أُولي كذا " في النصبِ والجر وبين " إلى " التي هي حرفُ جر ، ثم حُمِل باقي الباب عليه ، وهذا كما تقدَّم في الفرقِ بين " أولئك " اسمَ إشارةٍ و " إليك " جاراً ومجروراً وقد تقدَّم . وإذا سَمَّيْتَ بأولي من أُولي كذا قلت : جاء أُلون ورأيت إلين ، بردِّ النونِ لأنها كالمقدَّرة حالة الإِضافةِ فهو نظيرُ : ضارِبُو زيدٍ وضاربي زيدٍ .
والألبابُ جمعُ " لُبٍّ " وهو العقلُ الخالي من الهَوي ، سُمِّيَ بذلك لأحدِ وجهين : إمَّا لبنائِه من لَبَّ بالمكانِ أقامَ به ، وإمَّا من اللُّباب وهو الخالِصُ ، يقال : لبُبْتُ بالمكان ولبِبْتُ بِضمِّ العينِ وكسرِها ، ومجيءُ المضاعَفِ على فَعْل بضمِّ العينِ شاذ ، استَغْنَوا عنه بِفَعَل مفتوح العين ، وذلك في ألفاظ محصورة نحو : عَزُزْتُ/ وسَرُرْتُ ولَبُبت ودَمُمْتُ ومَلُلْتُ ، فهذه بالضمِّ وبالفتح ، إلا لَبُبْت فبالضمِّ والكسرِ كما تقدَّم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.