قوله : { مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ } : في مَرَجَ قولان ، أحدهما : بمعنى : خَلَطَ ومَرَجَ ، ومنه مَرَجَ الأمرُ أي : اختلط قاله ابن عرفة . وقيل : مَرَجَ : أجرى . وأَمْرَجَ لغةٌ فيه . قيل : مَرَجَ لغةُ الحجاز ، وأَمْرَجَ لغةُ نجدٍ . وفي كلامِ بعضِ الفصحاء : " بَحْران أحدُهما بالآخرِ ممروجٌ ، وماءُ العذب منهما بالأُجاج ممروج " .
قوله : { هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ } هذه الجملةُ لا محلَّ لها لأنها مستأنفةٌ ، جوابٌ لسؤالٍ مقدرٍ . كأنَّ قائلاً قال : كيف مرْجُهما ؟ فقيل : هذا عَذْبٌ وهذا مِلْحٌ . ويجوز على ضَعْفٍ أن تكونَ حاليةً . والفُراتُ المبالِغُ في الحلاوةِ . والتاءُ فيه أصليةٌ لامُ الكلمةُ . ووزنُه فُعال ، وبعضُ العربِ يقفُ عليها هاءً . وهذا كما تقدَّم لنا في التابوت . ويُقال : سُمِّي الماءُ الحُلْوُ فُراتاً ؛ لأنه يَفْرُتُ العطشَ أي : يَشُقُّه ويَقْطَعُه . والأُجاج : المبالِغُ في الملُوحة . وقيل : في الحرارةِ . وقيل : في المَرارة ، وهذا من أحسنِ المقابلةِ ، وحيث قال تعالى عَذْبٌ فُراتٌ ومِلْحٌ أُجاجٌ . وأنشدْتُ لبعضهم :
فلا واللهِ لا أَنْفَكُّ أَبْكي *** إلى أَنْ نَلْتَقِي شُعْثاً عُراتا
أَأُلَْحَى إنْ نَزَحْتُ أُجاجَ عَيْني *** على جَدَثٍ حَوَى العَذْبَ الفُراتَا
ما أحسنَ ما كنى عن دَمْعِه بالأجاج ، وعن المبكيِّ عليه بالعذب الفُراتِ ، وكان سببَ إنشادِي هذين البيتين أنَّ بعضَهم لحَّن قائلَهما في قولِه " عُراتا " : كيف يَقِفُ على تاءِ التأنيث المنونة بالألفِ ؟ فقلت : إنها لغةٌ مستفيضةٌ يَجْعلون التاءَ كغيرِها فيُبْدلون تنوينَها بعد الفتحِ ألفاً . حَكَوْا عنهم . أكلْتُ تَمْرَتا ، نحو : أكلْتُ زَيْتا .
وقرأ طلحة وقتيبة عن الكسائي " مَلِحٌ " بفتح الميم وكسرِ اللام ، وكذا في سورة فاطر ، وهو مقصورٌ مِنْ مالح ، كقولهم : بَرِد في بارد قال :
وماء مالح لغةٌ شاذةٌ . وقال أبو حاتم : " وهذه قراءةٌ مُنْكَرَةٌ " .
قوله : { وَحِجْراً مَّحْجُوراً } : الظاهرُ عطفُه على " بَرْزَخاً " . وقال الزمخشري : " فإنْ قلتَ : حِجراً مَحْجُوراً ما معناه ؟ قلت : هي الكلمةُ التي يَقُولُها المتعوِّذُ ، وقد فَسَّرناها ، وهي هنا واقعةٌ على سبيلِ المجازِ . كأنَّ كلَّ واحدٍ من البحرَيْن يقول لصاحبِه : حِجْراً مَحْجُوراً ، وهي من أحسنِ الاستعاراتِ " ، فعلى ما قالَه يكونُ منصوباً بقولٍ مضمرٍ .
قوله : { بَيْنَهُمَا بَرْزَخاً } يجوزُ أَنْ يكونَ الظرفُ متعلِّقاً بالجَعْل ، وأَنْ يتعلَّق بمحذوفٍ على أنَّه حالٌ مِنْ " بَرْزَخاً " ، والأولُ أظهرُ .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.