غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{۞وَهُوَ ٱلَّذِي مَرَجَ ٱلۡبَحۡرَيۡنِ هَٰذَا عَذۡبٞ فُرَاتٞ وَهَٰذَا مِلۡحٌ أُجَاجٞ وَجَعَلَ بَيۡنَهُمَا بَرۡزَخٗا وَحِجۡرٗا مَّحۡجُورٗا} (53)

51

ثم ذكر دليلاً رابعاً على التوحيد فقال { وهو الذي مرج البحرين } أي خلاهما وأرسلهما متجاورين متلاصقين . يقال : مرجت الدابة أي خليتها لترعى . وسمى الماءين الكثيرين بحرين . والفرات البليغ العذوبة ، والتركيب يدل على كسره العطش بخلاف الأجاج وهو الملح فإنه يدل على الشدة والتوهج . وقوله { هذا } إشارة إلى ما ارتسم في الذهن بعد ذكر البحرين والبرزخ الحائل الذي جعل الله بينهما من قدرته يفصل بينهما ويمنعهما التمازج { وحجراً محجوراً } كلمة يقولها المتعوذ كما قلنا في السورة كأن كل واحد من البحرين يتعوّذ من صاحبه ويقول له هذا القول ، ونظيره في سورة الرحمن { بينهما برزخ لا يبغيان } [ الرحمن : 20 ] فانتفاء البغي ثمة كالتعوّذ ههنا وكل منهما مجاز في غاية الحسن . سؤال : لا وجود للبحر العذب فكيف ذكره الله تعالى ؟ والجواب من وجهين : أحدهما أن في البحار مواضع فيها مياه عذبة يعرفها الملاحون يحمل منها الماء إلى حين الوصول إلى الموضع الآخر . وثانيهما لعل المراد من البحر العذب الأودية العظام كالنيل والفرات وجيحون ، ومن البحر الأجاج البحار المشهورة ، والبرزخ بينهما الحائل من الأرض ووجه الاستدلال على هذا الوجه أن يقال : العذوبة والملوحة إن كانتا بسبب طبيعة الأرض أو الماء فلا بد من الاستواء وإلا فلا بد من قادر مختار يخص كل واحد من الماءين بصفة مخصوصة .

/خ77