فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{۞وَهُوَ ٱلَّذِي مَرَجَ ٱلۡبَحۡرَيۡنِ هَٰذَا عَذۡبٞ فُرَاتٞ وَهَٰذَا مِلۡحٌ أُجَاجٞ وَجَعَلَ بَيۡنَهُمَا بَرۡزَخٗا وَحِجۡرٗا مَّحۡجُورٗا} (53)

ثم ذكر سبحانه دليلاً رابعاً على التوحيد ، فقال : { وَهُوَ الذى مَرَجَ البحرين } مرج : خلّى وخلط وأرسل ، يقال : مرجت الدابة ، وأمرجتها : إذا أرسلتها في المرعى ، وخليتها تذهب حيث تشاء . قال مجاهد : أرسلهما وأفاض أحدهما إلى الآخر . وقال ابن عرفة : خلطهما ، فهما يلتقيان ، يقال مرجته : إذا خلطته ، ومرج الدين والأمر : اختلط واضطرب ، ومنه قوله : { فِى أَمْرٍ مَّرِيجٍ } [ ق : 5 ] وقال الأزهري : { مَرَجَ البحرين } خلى بينهما ، يقال مرجت الدابة : إذا خليتها ترعى . وقال ثعلب : المرج الإجراء ، فقوله : { مَرَجَ البحرين } أي أجراهما . قال الأخفش : ويقول قوم أمرج البحرين مثل مرج ، فعل وأفعل بمعنى { هذا عَذْبٌ فُرَاتٌ } الفرات البليغ العذوبة ، وهذه الجملة مستأنفة جواب سؤال مقدّر ، كأنه قيل كيف مرجهما ؟ فقيل : هذا عذب ، وهذا ملح ، ويجوز أن يكون في محل نصب على الحال . قيل سمى الماء الحلو فراتاً ، لأنه يفرت العطش : أي يقطعه ويكسره { وهذا مِلْحٌ أُجَاجٌ } أي بليغ الملوحة هذا معنى الأجاج . وقيل الأجاج البليغ في الحرارة ، وقيل البليغ في المرارة ، وقرأ طلحة { ملح } بفتح الميم ، وكسر اللام { وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخاً وَحِجْراً مَّحْجُوراً } البرزخ : الحاجز ، والحائل الذي جعله الله بينهما من قدرته يفصل بينهما ويمنعهما التمارج ، ومعنى { حِجْراً مَّحْجُوراً } ستراً مستوراً يمنع أحدهما من الاختلاط بالآخر ، فالبرزخ الحاجز ، والحجز المانع . وقيل معنى { حِجْراً مَّحْجُوراً } هو ما تقدّم من أنها كلمة يقولها المتعوّذ ، كأن كل واحد من البحرين يتعوّذ من صاحبه ، ويقول له هذا القول ، وقيل حدًّا محدوداً . وقيل المراد من البحر العذب : الأنهار العظام كالنيل والفرات وجيحون ، ومن البحر الأجاج : البحار المشهورة ، والبرزخ بينهما الحائل من الأرض . وقيل معنى { حِجْراً مَّحْجُوراً } حراماً محرماً أن يعذب هذا المالح بالعذب ، أو يملح هذا العذب بالمالح ، ومثل هذه الآية قوله سبحانه في سورة الرحمن : { مَرَجَ البحرين يَلْتَقِيَانِ بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاَّ يَبْغِيَانِ } [ الرحمن : 19 ، 20 ] .

/خ54