ثم ذكر سبحانه دليلا رابعا على التوحيد فقال :
{ وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ } أي أرسلهما متجاورين أو خلاهما متلاصقين بحيث لا يتمازجان ، من مرج أي خلى وخلط وأرسل يقال مرجت الدابة وأمرجتها إذا أرسلتها في المرعى وخليتها تذهب حيث تشاء قال مجاهد : أرسلهما وأفاض أحدهما إلى الآخر ، وقال ابن عرفة : خلطهما فهما يلتقيان ، يقال مرجته إذا خلطته ، ومرج الدين والأمر اختلط واضطراب ، ومنه قوله تعالى : { في أمر مريج } وقال الأزهري : مرج البحرين خلى بينهما لا يلتبس أحدهما بالآخر ، يقال : مرجت الدابة إذا خليتها ترعى ، وقال ثعلب : المرج الإجراء فالمعنى أجراهما ، وقال الأخفش : وتقول قوم مثل مرج فعل وأفعل بمعنى .
{ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ } هو البليغ العذوبة ، المائلة إلى الحلاوة ، والجملة مستأنفة كأنه قيل : كيف مرجهما ؟ فقيل : هذا عذب الخ ، أو حال بتقدير مقولا فيهما ، قيل سمى الماء الحلو فراتا ، لأنه يفرت العطش ، أي يقطعه ، ويشقه ويكسره ولا يجمع إلا نادرا على فرتان كغربان { وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ } أي بليغ الملوحة ، وقيل البليغ في الحرارة وقيل البليغ في المرارة . وقرئ ملح بفتح الميم وكسر اللام . قال ابن عباس : خلع أحدهما على الآخر ، فليس يفسد العذب المالح العذب ، وهذا من أحسن المقابلة ، حيث قال : عذب فرات ، وملح أجاج .
{ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا } هو الحاجز والحائل ، الذي جعله الله بينهما من قدرته ، يفصل بينهما ويمنعهما التمازج ولا يحس { وَحِجْرًا مَّحْجُورًا } أي سترا مستورا ، يمنع أحدهما من الاختلاط بالآخر فلا يبغي أحدهما على الآخر ، ولا يفسد الملح العذب . فالبرزخ الحاجز والحجر المانع .
وقيل معناه ما تقدم من أنها كلمة يقولها المتعوذ ، كأن كل واحد من البحرين يتعوذ من صاحبه ويقول له هذا القول ، وهو استعارة تمثيلية ، وقيل حدا محدودا ، وقيل المراد من البحر العذب ، الأنهار العظام كالنيل والفرات وجيحون ، ومن البحر الأجاج ، البحار المشهورة ، والبرزخ بينهما حائل من الأرض . وقيل معناه حراما محرما أن يعذب هذا المالح بالعذب أو يملح هذا العذب المالح . ومثل هذه الآية قوله سبحانه في سورة الرحمان { مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان } وعن ابن عباس قال : حجر أحدهما عن الآخر بأمره وقضائه ،
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.