النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{۞وَهُوَ ٱلَّذِي مَرَجَ ٱلۡبَحۡرَيۡنِ هَٰذَا عَذۡبٞ فُرَاتٞ وَهَٰذَا مِلۡحٌ أُجَاجٞ وَجَعَلَ بَيۡنَهُمَا بَرۡزَخٗا وَحِجۡرٗا مَّحۡجُورٗا} (53)

قوله تعالى : { وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَينِ } فيه وجهان :

أحدهما : هو إرسال أحدهما إلى الآخر ، قاله الضحاك .

الثاني : هو تخليتهما ، حكاه النقاش وقال الأخفش مأخوذ من مَرَجْتَ الشيء إذا خليته وَمَرَجَ الوالي الناس إذا تركهم وأمرجت الدابّة إذا خليتها ترعى . ومنه قول العجاج :

" رَعى بها مَرْج ربيع ممرجاً " ***

وفي البحرين ثلاثة أقاويل :

أحدها : بحر السماء وبحر الأرض ، وهو قول سعيد ومجاهد .

الثاني : بحر فارس والروم ، وهو قول الحسن .

الثالث : بحر العذب وبحر المالح . { هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ } قال عطاء :

الفرات : العذب ، وقيل هو أعذب العذب .

وفي الأجاج : ثلاثة أقاويل :

أحدها : أنه المالح ، وهو قول عطاء ، وقيل : هو أملح المالح .

الثاني : أنه المر ، وهو قول قتادة .

والثالث : أنه الحار المؤجج ، مأخوذ من تأجج النار ، وهو قول ابن بحر .

{ وََجَعلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخاً } فيه ثلاثة أقاويل :

أحدها : حاجزا من البر ، وهو قول الحسن ومجاهد .

الثاني : أن البرزخ : التخوم ، وهو قول قتادة .

والثالث : أنه الأجل ما بين الدنيا والآخرة ، وهو قول الضحاك .

{ وَحِجْراً مَّحْجُوراً } أي مانعاً لا يختلط العذب بالمالح ، ومنه قول الشاعر :

فَرُبّ في سُرادقٍ محجورِ *** سرت إليه من أعالي السور

محجور أي ممنوع .

وتأول بعض المتعمقين في غوامض المعاني أن مرج البحرين قلوب الأبرار مضيئة بالبر وهو العذب ، وقلوب الفجار مظلمة بالفجور وهو الملح الأجاج ، وهو بعيد .