الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ ٱللَّهُۖ وَٱللَّهُ خَيۡرُ ٱلۡمَٰكِرِينَ} (54)

قوله تعالى : { وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللَّهُ } : من بابِ المقابلةِ ، أي : لا يجوزُ أَنْ يُوصفَ اللهُ بالمكر إلا لأجلِ ما ذُكر معه من لفظٍ آخرَ مسندٍ لِمَنْ يليقُ به ، وهذا كما تقدَّم في الخِداع ، هكذا قيل ، وقد جاء ذلك من غيرِ مقابلة في قولِهِ : { أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللَّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ } [ الأعراف : 99 ] .

والمَكْرُ في اللغةِ أصلُه السَّتْرُ . يُقال : مَكَر اللَّيلُ : أي أَظْلَمَ وسَتَر بظلمته ما فيه ، وقالوا : واشتقاقُه من المَكْر وهو شجر ملتفٌّ ، تخيَّلوا فيه أنَّ المكرَ يلتفُّ بالممكورِ به ويشتمل عليه ، وامرأةُ ممكورةُ الخَلْقِ أي : ملتفَّةُ الجسم ، وكذا مَمْكُورة البطن ، ثم أُطْلِقَ المَكْرُ على الخُبْث والخِداع ، ولذلك عَبَّر عنه بعضُ أهلِ اللغةِ بأنه السعيُ بالفساد . قال الزجاج : " هو مِنْ مَكَر الليلُ وَأَمْكَرَ أي أظلم " . وقد عَبَّر بعضُهم عنه فقال : هو صَرْفُ الغَيْرِ عَمَّا يَقْصِده بحيلةٍ ، وذلك ضربان : محمودٌ وهو أَنْ يُتَحَرَّى به فِعْلٌ جميل ، وعلى ذلك قولُه : { وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ } ، ومذمومٌ وهو أَنْ يُتَحَرَّى به فعلٌ قبيحٌ نحو : { وَلاَ يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّىءُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ } [ فاطر : 43 ] .