الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{مَا كَانَ إِبۡرَٰهِيمُ يَهُودِيّٗا وَلَا نَصۡرَانِيّٗا وَلَٰكِن كَانَ حَنِيفٗا مُّسۡلِمٗا وَمَا كَانَ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ} (67)

قوله تعالى : { مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلاَ نَصْرَانِيّاً } : بدأ باليهود لأن شريعتهم أقدمُ ، وكَرَّر " لا " في قوله { وَلاَ نَصْرَانِيّاً } توكيداً وبياناً أنه كان مُنْتَفِياً عن كل واحد من الدينين على حدته .

وقوله : { وَلَكِن } استدراك لِما كان عليه ، ووقعت هنا أحسنَ موقع ، إذ هي بين نقيضين بالنسبة إلى اعتقاد الحق والباطل ، ولَمَّا كان الخطابُ مع اليهود والنصارى أتى بجملةِ نفي أخرى ليدُلَّ على أنه لم يكن على دينِ أحدٍ من المشركين كالعربِ عبدةِ الأوثان والمجوس عبدة الأوثان ، والصابئة عبدةِ الكواكب ، وبهذا يُطْرَحُ سؤالُ مَنْ قال : أيُّ فائدة في قوله : { وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ } بعد قولِه " ما كان يهودياً ولا نصرانياً " ؟ وأتى بخبر " كان " مجموعاً فقال : { وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ } لكونِه فاصلة ، ولولا مراعاةُ ذلك لكانت المطابقةُ مطلوبةً بينه وبين ما استدرك عنه في قولِه : { يَهُودِيّاً وَلاَ نَصْرَانِيّاً } فيتناسبُ النفيان .