الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{أَمۡ يَقُولُونَ شَاعِرٞ نَّتَرَبَّصُ بِهِۦ رَيۡبَ ٱلۡمَنُونِ} (30)

قوله : { أَمْ يَقُولُونَ } : قال الثعلبي : " قال الخليل : كلُّ ما في سورة الطورِنْ " أم " فاستفهامٌ وليس بعطفٍ " . وقال أبو البقاء : " أم في هذه الآياتِ منقطعةٌ " . قلت : وتقدَّم لك الخلافُ في المنقطعةِ : هل تتقدَّرُ ب بل وحدَها ، أو ب بل والهمزةِ ، أو بالهمزةِ وحدَها ، والصحيحُ الثاني . وقال مجاهد في قوله : " أم تأمرهم " تقديره : بل تأمرهم . وقرأ { بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونُ } بدلَ " أم هم " .

قوله : { نَّتَرَبَّصُ } في موضعِ رفعٍ صفةً لشاعر . والعامَّةُ على " نتربَّصُ " بإسنادِ الفعل لجماعة المتكلمين " ريبَ " بالنصب . وزيدُ بن علي " يتربَّص " بالياء مِنْ تحتُ على البناء للمفعولِ " ريبُ " بالرفع . وريبُ المنونِ : حوادثُ الدهرِ وتقلُّباتُ الزمانِ لأنها لا تدوم على حالٍ كالرَّيْبِ وهو الشَّكُّ ، فإنه لا يبقى ، بل هو متزلزِلٌ قال الشاعر :

تَرَبَّصْ بها رَيْبَ المنونِ لَعَلَّها *** تُطَلَّقُ يوماً أو يموتُ حليلُها

وقال أبو ذُؤَيْب :

أمِن المَنونِ ورَيْبِه تتَوَجَّعُ *** والدهرُ ليس بمُعْتِبٍ مَنْ يَجْزَعُ

والمنون في الأصل : الدهرُ . وقال الراغب : " المنون المنيَّة ، لأنها تَنْقُصُ العددَ وتَقْطَعُ المَدَدَ " ، وجَعَل مِنْ ذلك قولَ : { أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ } [ فصلت : 8 ] أي : غيرُ مقطوع . وقال الزمخشري : " وهو في الأصلِ فَعُول مِنْ منَّه إذا قطعه لأنَّ الموتَ قَطوعٌ ولذلك سُمِّيت شَعُوب " . و " ريبَ " مفعولٌ به أي : نَنْتَظِرُ به حوادثَ الدهرِ أو المنيَّة .