الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{فَإِذَا جَآءَتۡهُمُ ٱلۡحَسَنَةُ قَالُواْ لَنَا هَٰذِهِۦۖ وَإِن تُصِبۡهُمۡ سَيِّئَةٞ يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُۥٓۗ أَلَآ إِنَّمَا طَـٰٓئِرُهُمۡ عِندَ ٱللَّهِ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ} (131)

قوله تعالى : { فَإِذَا جَآءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ } : أتى في جانب الحسنة ب إذا التي للمحقق . وعُرِّفَتِ الحسنة لسَعة رحمة الله تعالى ، ولأنها أمر محبوب ، كلُّ أحدٍ يتمناه ، وأتى في جانب السيئة ب " إنْ " التي للمشكوك فيه ، ونُكِّرتِ السيئة لأنه أمرٌ كلُّ أحدٍ يَحْذره . وقد أوضح الزمخشري ذلك فقال : " فإن قلتَ : كيف قيل { فَإِذَا جَآءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ } ب " إذا " وتعريف الحسنة ، و { وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ } ب " إن " وتنكير السيئة ؟ قلت : لأنَّ جنسَ وقوعِه كالواجب واتساعه ، وأمَّا السيئة فلا تقع إلا في الندرة ولا يقع إلا شيء منها " . انتهى . وهذا من محاسن علم البيان .

قوله : { يَطَّيَّرُواْ } الأصلُ : يتطيَّروا فَأُدْغمت التاء في الطاء لمقاربتها لها . وقرأ عيسى بن عمر وطلحة بن مصرف : " تطيَّروا " بتاءٍ من فوق على أنه فعلٌ ماضٍ وهو عند سيبويه وأتباعه ضرورة ، إذ لا يقع فعل الشرط مضارعاً والجزاء ماضياً إلا ضرورةً كقوله :

مَنْ يَكِدْني بِسَيِّءٍ كنتُ منه *** كالشَّجا بين حَلْقِه والوريد

وقوله :

وإن يَرَوا سُبَّة طاروا بها فَرَحاً *** مني وما سمعوا مِنْ صالحٍ دَفَنُوا وقد تقدَّم الخلاف في ذلك فأغنى عن إعادته .

والتطيُّر : التشاؤم وأصله أن يُفَرَّق المالُ ويطير بين القوم ، فيطير لكل أحدٍ حظُّه وما يخصُّه ، ثم أُطْلق على الحظ والنصيب السَّيِّئ بالغلبة ، وأنشدوا للبيد :

تطير عَدائِدُ الأشراكِ شَفْعاً *** ووِتْراً والزَّعامةُ للغلام

الأَشْراك : جمعُ شِرْك وهو النصيب ، أي : طار المال المقسوم شَفْعاً للذَّكر ووِتْراً للأنثى . والزَّعامة : أي : الرئاسة للذكر ، فهذا معناه تفرَّق ، وصار لكل أحد نصيبُه ، وليس من الشؤم في شيءٍ ، ثم غَلَبَ على ما ذكرت لك . ومعنى { طَائِرُهُمْ عِندَ اللَّهِ } أي : حظهم وما طار لهم في القضاء والقدر ، أو شؤمهم ، أي : سبب شؤمِهم عند الله وهو ما يُنْزِلُه بهم .