قوله تعالى : { وَبَوَّأَكُمْ فِي الأَرْضِ } بوَّأه : أنزله منزلاً . والمَبَاءةُ المنزل ، وتقدَّمَتْ هذه المادة في آل عمران وهو يتعدَّى لاثنين ، فالثاني محذوف أي : بَوَّأكم منازل . و " في الأرض " متعلقٌ بالفعل وذُكِرَتْ ليبني عليها ما يأتي بعدها من قوله " تَتَّخذون " . قوله : " تَتَّخذون " يجوز أن تكونَ المتعديةَ لواحد ، فيكونَ " من سهولها " متعلقاً بالاتخاذ أو بمحذوف على أنه حال من " قصوراً " إذ هو في الأصل صفةٌ لها لو تأخر ، بمعنى أنَّ مادة القصور مِنْ سهل الأرض كالجبس واللِّبَن والآجرّ كقوله : { وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ } [ الأعراف : 148 ] أي : مادته من الحُلِيِّ . وقيل : " مِنْ " بمعنى في . وفي التفسير : أنهم كانوا يسكنون في القصور صيفاً وفي الجبال شتاءً . وأن تكونَ المتعدية لاثنين ثانيهما " من سهولها " .
قوله : { وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتاً } : يجوز أن تكون " الجبال " على إسقاط الخافض أي : من الجبال ، كقوله : { وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ } [ الأعراف : 155 ] فيكون " بيوتاً " مفعولَه . ويجوز أن يُضَمَّن " تَنْحِتون " معنى ما يتعدَّى لاثنين أي : وتتخذون الجبال بيوتاً بالنحت أو تُصَيِّرونها بيوتاً بالنحت . ويجوز أن يكون " الجبال " هو المفعول به و " بيوتاً " حالٌ مقدرة كقولك : خِطْ هذا الثوب جُبَّةً ، أي : مقدراً له كذلك . و " بيوتاً " وإن لم تكن مشتقةً فإنها في معناه أي : مسكونة .
وقرأ الحسن : " تَنْحَتون " بفتح الفاء . وزاد الزمخشري أنه قرأ : " تنحاتون " بإشباع الفتحة ألفاً ، وأنشد :
يَنْباع من ذِفْرى غضوبٍ جَسْرَةٍ *** . . . . . . . . . . . . . . . . .
وقرأ يحيى بن مصرف وأبو مالك بالياء من أسفل على الالتفات . إلا أن أبا مالك فَتَح الحاء كقراءة الحسن . والسهلُ من الأرض مالان وسَهُلَ الانتفاع به ضد الحَزَن . والسهولة : التيسير . والقُصور : جمع قَصْر وهو البيت المُنيف ، سُمِّي بذلك لقُصور الناس عن الارتقاء إليه ، أو لأن عامَّة الناس يُقَصِّرون عن بناء مثله بخلاف خواصِّهم ، أو لأنه يُقتصر به على بُقْعَةٍ من الأرض بخلاف بيوت الشعر والعُمُد ، فإنها لا يُقتصر بها على بُقْعَةٍ مخصوصة لارتحال أهلها ، أو لأنه يَقْصُر مَنْ فيه أي يَحْبِسه ، ومنه :
{ وحُورٌ مَّقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ } [ الرحمن : 72 ] والنَّحْتُ : النَّجْر في شيء صُلْب كالحجر والخشب قال :
أمَّا النهارُ ففي قَيْدٍ وسلسلةٍ *** والليلُ في بَطْنِ منحوت من الساج
وقرأ الأعمش : " ولا تِعْثُوا " بكسر حرف المضارعة . وقد تقدم أن ذلك لغةٌ . و " مفسدين " حال مؤكدة إذ معناها مفهوم من عاملها . و " في الأرض " متعلقٌ بالفعلِ قبله أو بمفسدين .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.