الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{عَلَيۡهَا تِسۡعَةَ عَشَرَ} (30)

قوله : { عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ } : هذه الجملةُ فيها وجهان أعني : الحاليةَ والاستئنافَ وفي هذه الكلمةِ قراءاتٌ شاذةٌ ، وتوجيهاتٌ تُشاكِلُها . وقرأ أبو جعفر وطلحةُ " تسعَة عْشَر " بسكون العين مِنْ " عَشر " تخفيفاً لتوالي خمسِ حركاتٍ مِنْ جنسٍ واحدٍ/ وهذه كقراءةِ { أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً } [ يوسف : 4 ] ، وقد تقدَّمَتْ .

وقرأ أنسٌ وابنُ عباس " تسعةُ " بضمِّ التاء ، " عَشَرَ " بالفتح ، وهذه حركةُ بناءٍ ، ولا يجوزُ أَنْ يُتَوَهَّمَ كونُها إعراباً ؛ إذا لو كانَتْ للإِعرابِ لَجُعِلَتْ في الاسمِ الأخيرِ لِتَنَزُّلِ الكلمتَيْن منزلةَ الكلمةِ الواحدةِ ، وإنما عُدِل إلى الضمة كراهةَ توالي خمسِ حركاتٍ . وعن المهدويِّ . " مَنْ قرأ " تسعةُ عَشَر " فكأنه من التداخُلِ كأنه أراد العطفَ فتركَ التركيبَ ورَفَعَ هاءَ التأنيث ، ثم راجَعَ البناءَ وأسكنَ " انتهى . فَجَعَلَ الحركةَ للإِعرابِ . ويعني بقولِه " أسكنَ " ، أي : أسكنَ راءَ " عشر " فإنه هذ القراءة كذلك .

وعن أنس أيضاً " تسعةُ أَعْشُرَ " بضم " تسعةُ " وأَعْشُرَ بهمزةٍ مفتوحةٍ ثم عينٍ ساكنةٍ ثم شين مضمومة . وفيها وجهان ، قال أبو الفضل : " يجوزُ أَنْ يكونَ جَمعَ العَشَرةَ على أَعْشُر ثم أجراه مُجْرى تسعة عشر " . وقال الزمخشري : " جمع عَشير ، مثل يَمين وأَيْمُن . وعن أنسٍ أيضاً " تسعَةُ وَعْشُرَ " بضم التاءِ وسكونِ العينِ وضمِّ الشين وواوٍ مفتوحةٍ بدلَ الهمزةِ . وتخريجُها كتخريجِ ما قبلَها ، إلاَّ أنَّه قَلَبَ الهمزةَ واواً مبالغةً في التخفيفِ ، والضمةُ كما تقدَّم للبناءِ لا للإِعرابِ . ونقل المهدويُّ أنه قُرِىءَ " تسعةُ وَعَشَرْ " قال : " فجاء به على الأصلِ قبلَ التركِيبِ وعَطَفَ " عشراً على تسعة " وحَذَفَ التنوينَ لكثرةِ الاستعمالِ ، وسَكَّنَ الراءَ مِنْ عشر على نيةِ الوقفِ .

وقرأ سليمان بن قتة بضمِّ التاءِ ، وهمزةٍ مفتوحةٍ ، وسكونِ العين ، وضم الشين وجرِّ الراءِ مِنْ أَعْشُرٍ ، والضمةُ على هذا ضمةُ إعرابٍ ، لأنه أضاف الاسمَ لِما بعده ، فأعربَهما إعرابَ المتضايفَيْنِ ، وهي لغةٌ لبعضِ العربِ يَفُك‍ُّون تركيبَ الأعدادِ ويُعْرِبُونهما كالمتضايفَيْنِ كقول الراجز :

كُلِّفَ مِنْ عَنائِه وشِقْوَتِهْ *** بنتَ ثماني عَشْرَةٍ مِنْ حَجَّتِهْ

قال أبو الفضل : " ويُخْبَرُ على هذه القراةِ وهي قراءةُ مَنْ قرأ " أَعْشُر " مبنياً أو معرباً من حيث هو جمعٌ أنَّ الملائكةَ الذين هم على سَقَرَ تسعون مَلَكاً .