قوله : { بِعَادٍ إِرَمَ } : قرأ العامَّةُ " بعادٍ " مصروفاً " إرَمَ " بكسرِ الهمزة وفتح الراءِ والميم ، ف " عاد " اسمٌ لرجلٍ في الأصل ، ثم أُطْلِقَ على القبيلة أو الحيِّ ، وقد تقدَّم الكلامُ عليه . وأمَّا " إرَمُ " فقيل : هو اسمُ قبيلةٍ . وقيل : اسمُ مدينةٍ : واخْتُلف في التفسير في تعيينِها . فإن كانَتْ اسمَ قبيلةٍ كانت بدلاً أو عطفَ بيانٍ ، أو منصوبةً بإضمارِ " أعني " ، وإن كانَتْ اسمَ مدينةٍ فيقلَقُ الإِعراب من عاد ، وتخريجُه على حَذْفِ مضافٍ ، كأنه قيل : بعادٍ أهلِ إرمَ ، قاله الزمخشري ، وهو حَسَنٌ ويَبْعُدُ أَنْ يكونَ بدلاً مِنْ " عاد " بدلَ اشتمال إذا لا ضميرَ ، وتقديرُه قَلِقٌ . وقد يقال : إنه لَمَّا كان المَعْنِيُّ بعادٍ مدينتَهم ؛ لأنَّ إرمَ قائمةٌ مَقامَ ذلك صَحَّ البدلُ . وإرمُ اسمُ جَدِّ عادٍ ، / وهو عادُ بنُ عَوَضِ بنِ إرمَ بنِ سامِ بنِ نوحٍ . قال زهير :
وآخَرِين تَرَى الماذيَّ عِدَّتَهْمْ *** مِنْ نَسْجِ داوُدَ أو ما أَوْرَثَتْ إرَمُ
مَجْداً تليداً بناه أوَّلُوه له *** أَدْرَكَ عاداً وساماً قبلَه إرَما
وقرأ الحسن " بعادَ " غيرَ مصروفٍ . قال الشيخ : " مُضافاً إلى إرم . فجاز أَنْ يكون " إرَمُ " أباً أو جَدَّاً أو مدينةً " . قلت : يتعيَّنُ أَنْ يكونَ في قراءةِ الحسن غيرَ مضافٍ ، بل يكون كما كان منوناً ، ويكونُ " إرمَ " بدلاً أو بياناً أو منصوباً بإضمارِ أَعْني [ ولو كان مضافاً لوجَبَ صَرْفُه ] . وإنَّما مُنع " عاد " اعتباراً بمعنى القبيلة أو جاء على أحدِ الجائزَيْنِ في " هند " وبابِه . وقرأ الضحاك في روايةٍ " بعادَ إرم " ممنوعَ الصرفِ وفَتْحِ الهمزةِ مِنْ " أرَمَ " . وعنه أيضاً " أرْمَ " بفتحِ الهمزةِ وسكونِ الراءِ ، وهو تخفيفُ " أَرِمَ " بكسرِ الراء ، وهي لغةٌ في اسمَ المدينة ، وهي قراءةُ ابنِ الزُّبَيْرِ . وعنه في " عاد " مع هذه القراءة الصَّرْفُ وتَرْكُه .
وعنه أيضاً وعن ابن عباس " أَرَمَّ " بفتح الهمزةِ والراءِ ، والميمُ مشددةٌ جعلاه فعلاً ماضياً . يقال : " أَرَمَّ العَظْمُ " ، أي : بَلِيَ . ورَمَّ أيضاً وأرَمَّه غيرُه ، فأَفْعَلَ يكون لازماً ومتعدياً في هذا . و " ذات " على هذه القراءةِ مجرورةٌ صفةً ل " عاد " ، ويكونُ قد راعى لفظَها تارةً في قولِه : " أرَمَّ " ، فلم يُلْحِقْ علامةَ تأنيثٍ ، ويكونُ " أرَمَّ " معترضاً بين الصفةِ والموصوفِ ، أي : أَرَمَّتْ هي بمعنى : رَمَّتْ وَبِلِيَتْ ، وهو داءٌ عليهم . ويجوزُ أَنْ يكونَ فاعلُ " أرَمَّ " ضميرَ الباري تعالى ، والمفعولُ محذوفٌ ، أي : أرَمَّها اللَّهُ . والجملةُ الدعائيةُ معترضةٌ أيضاً .
ومعناها أخرى في " ذات " فأنَّثَ . ورُوي عن ابن عباس " ذاتَ " بالنصب على أنها مفعولٌ ب " أرَمَّ " . وفاعلُ " أرَمَّ " ضميرٌ يعودُ على الله تعالى ، أي : أرَمَّها اللَّهُ تعالى ويكون " أرمَّ " بدلاً مِنْ " فَعَلَ ربُّكَ " أو تبييناً له .
وقرأ ابن الزبير " بعادِ أَرِمَ " بإضافةِ " عاد " إلى " أرِم " مفتوحَ الهمزةِ مكسورَ الراء ، وقد تقدَّم أنه اسمُ المدينة . وقُرىء " أرِمِ ذاتِ " بإضافة " أرم " إلى " ذات " . ورُوي عن مجاهدٍ " أرَمَ " بفتحتين مصدرَ أَرِمَ يَأْرَمُ ، أي : هَلَكَ ، فعلى هذا يكونُ منصوباً ب " فعَلَ ربُّك " نَصْبَ المصدرِ التشبيهيِّ ، والتقدير : كيف أهلك ربُّك إهلاكَ ذاتِ العِمادِ ؟ وهذا أغربُ الأقوالِ .
و " ذاتِ العِمادِ " إنْ كان صفةً لقبيلةٍ فمعناه : أنهم أصحابُ خيامٍ لها أَعْمِدةٌ يَظْعَنون بها ، أو هو كنايةٌ عن طولِ أبدانهم كقولِه :
رَفيعُ العِمادِ طويلُ النِّجا *** دِ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
قاله ابن عباس ، وإنْ كان صفةً للمدينة فمعناه : أنها ذاتُ عُمُدٍ من الحجارة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.