الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{إِرَمَ ذَاتِ ٱلۡعِمَادِ} (7)

قوله : { بِعَادٍ إِرَمَ } : قرأ العامَّةُ " بعادٍ " مصروفاً " إرَمَ " بكسرِ الهمزة وفتح الراءِ والميم ، ف " عاد " اسمٌ لرجلٍ في الأصل ، ثم أُطْلِقَ على القبيلة أو الحيِّ ، وقد تقدَّم الكلامُ عليه . وأمَّا " إرَمُ " فقيل : هو اسمُ قبيلةٍ . وقيل : اسمُ مدينةٍ : واخْتُلف في التفسير في تعيينِها . فإن كانَتْ اسمَ قبيلةٍ كانت بدلاً أو عطفَ بيانٍ ، أو منصوبةً بإضمارِ " أعني " ، وإن كانَتْ اسمَ مدينةٍ فيقلَقُ الإِعراب من عاد ، وتخريجُه على حَذْفِ مضافٍ ، كأنه قيل : بعادٍ أهلِ إرمَ ، قاله الزمخشري ، وهو حَسَنٌ ويَبْعُدُ أَنْ يكونَ بدلاً مِنْ " عاد " بدلَ اشتمال إذا لا ضميرَ ، وتقديرُه قَلِقٌ . وقد يقال : إنه لَمَّا كان المَعْنِيُّ بعادٍ مدينتَهم ؛ لأنَّ إرمَ قائمةٌ مَقامَ ذلك صَحَّ البدلُ . وإرمُ اسمُ جَدِّ عادٍ ، / وهو عادُ بنُ عَوَضِ بنِ إرمَ بنِ سامِ بنِ نوحٍ . قال زهير :

وآخَرِين تَرَى الماذيَّ عِدَّتَهْمْ *** مِنْ نَسْجِ داوُدَ أو ما أَوْرَثَتْ إرَمُ

وقال قيس الرقيات :

مَجْداً تليداً بناه أوَّلُوه له *** أَدْرَكَ عاداً وساماً قبلَه إرَما

وقرأ الحسن " بعادَ " غيرَ مصروفٍ . قال الشيخ : " مُضافاً إلى إرم . فجاز أَنْ يكون " إرَمُ " أباً أو جَدَّاً أو مدينةً " . قلت : يتعيَّنُ أَنْ يكونَ في قراءةِ الحسن غيرَ مضافٍ ، بل يكون كما كان منوناً ، ويكونُ " إرمَ " بدلاً أو بياناً أو منصوباً بإضمارِ أَعْني [ ولو كان مضافاً لوجَبَ صَرْفُه ] . وإنَّما مُنع " عاد " اعتباراً بمعنى القبيلة أو جاء على أحدِ الجائزَيْنِ في " هند " وبابِه . وقرأ الضحاك في روايةٍ " بعادَ إرم " ممنوعَ الصرفِ وفَتْحِ الهمزةِ مِنْ " أرَمَ " . وعنه أيضاً " أرْمَ " بفتحِ الهمزةِ وسكونِ الراءِ ، وهو تخفيفُ " أَرِمَ " بكسرِ الراء ، وهي لغةٌ في اسمَ المدينة ، وهي قراءةُ ابنِ الزُّبَيْرِ . وعنه في " عاد " مع هذه القراءة الصَّرْفُ وتَرْكُه .

وعنه أيضاً وعن ابن عباس " أَرَمَّ " بفتح الهمزةِ والراءِ ، والميمُ مشددةٌ جعلاه فعلاً ماضياً . يقال : " أَرَمَّ العَظْمُ " ، أي : بَلِيَ . ورَمَّ أيضاً وأرَمَّه غيرُه ، فأَفْعَلَ يكون لازماً ومتعدياً في هذا . و " ذات " على هذه القراءةِ مجرورةٌ صفةً ل " عاد " ، ويكونُ قد راعى لفظَها تارةً في قولِه : " أرَمَّ " ، فلم يُلْحِقْ علامةَ تأنيثٍ ، ويكونُ " أرَمَّ " معترضاً بين الصفةِ والموصوفِ ، أي : أَرَمَّتْ هي بمعنى : رَمَّتْ وَبِلِيَتْ ، وهو داءٌ عليهم . ويجوزُ أَنْ يكونَ فاعلُ " أرَمَّ " ضميرَ الباري تعالى ، والمفعولُ محذوفٌ ، أي : أرَمَّها اللَّهُ . والجملةُ الدعائيةُ معترضةٌ أيضاً .

ومعناها أخرى في " ذات " فأنَّثَ . ورُوي عن ابن عباس " ذاتَ " بالنصب على أنها مفعولٌ ب " أرَمَّ " . وفاعلُ " أرَمَّ " ضميرٌ يعودُ على الله تعالى ، أي : أرَمَّها اللَّهُ تعالى ويكون " أرمَّ " بدلاً مِنْ " فَعَلَ ربُّكَ " أو تبييناً له .

وقرأ ابن الزبير " بعادِ أَرِمَ " بإضافةِ " عاد " إلى " أرِم " مفتوحَ الهمزةِ مكسورَ الراء ، وقد تقدَّم أنه اسمُ المدينة . وقُرىء " أرِمِ ذاتِ " بإضافة " أرم " إلى " ذات " . ورُوي عن مجاهدٍ " أرَمَ " بفتحتين مصدرَ أَرِمَ يَأْرَمُ ، أي : هَلَكَ ، فعلى هذا يكونُ منصوباً ب " فعَلَ ربُّك " نَصْبَ المصدرِ التشبيهيِّ ، والتقدير : كيف أهلك ربُّك إهلاكَ ذاتِ العِمادِ ؟ وهذا أغربُ الأقوالِ .

و " ذاتِ العِمادِ " إنْ كان صفةً لقبيلةٍ فمعناه : أنهم أصحابُ خيامٍ لها أَعْمِدةٌ يَظْعَنون بها ، أو هو كنايةٌ عن طولِ أبدانهم كقولِه :

رَفيعُ العِمادِ طويلُ النِّجا *** دِ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قاله ابن عباس ، وإنْ كان صفةً للمدينة فمعناه : أنها ذاتُ عُمُدٍ من الحجارة .