الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{هَلۡ فِي ذَٰلِكَ قَسَمٞ لِّذِي حِجۡرٍ} (5)

وقال مقاتل : " هل هنا في موضع " إنَّ " تقديرُه : إنَّ في ذلك قَسَماً لذي حِجْرٍ ، ف " هل " على هذا في موضع جواب القسم " انتهى . وهذا قولٌ باطلٌ ؛ لأنه لا يَصْلُح أَنْ يكونَ مُقْسَماً عليه ، على تقديرِ تسليمِ أنَّ التركيبَ هكذا ، وإنما ذكَرْتُه للتنبيهِ على سقوطِه . وقيل : ثَمَّ مضافٌ محذوفٌ ، أي : وصلاةِ الفجر أو وربِّ الفجر .

والعامَّةُ على عَدَمِ التنوينِ في " الفجر " و " الوَتْر " و " يَسْرِ " . وأبو الدينار الأعرابي بتنوين الثلاثةِ . قال ابن خالَوَيْه : " هذا ما رُوي عن بعضِ العرب أنه يقفُ على أواخرِ القوافي بالتنوينِ ، وإنْ كان فِعلاً ، وإنْ كان فيه الألفُ واللامُ . قال الشاعر :

أَقِلِّي اللَّوْمَ عاذِلَ والعتابَنْ *** وقُولي إنْ أَصَبْتُ لقد أصابَنْ

يعني بهذا تنوينَ الترنُّم ، وهو أنَّ العربيَّ إذا أراد تَرْكَ الترنمِ وهو مَدُّ الصوتِ نَوَّن الكلمةَ ، وإنما يكونُ في الرويِّ المطلقِ . وقد عاب بعضُهم قولَ النَّحْويين " تنوين الترنم " وقال : بل ينبغي أَنْ يُسَمُّوه بتنوين تَرْكِ الترنُّم ، ولهذا التنوينِ قسيمٌ آخرُ يُسَمَّى " التنوينَ الغالي " ، وهو ما يَلْحَقُ الرويَّ المقيَّدَ كقولِه :

4559 . . . . . . . . . . . . . خاوي المخترقْنْ ***

على أن بعض العروضيين أنكر وجودَه . ولهذين التنوينَيْن أحكامٌ مخالفةٌ لحكمِ التنوينِ حَقَّقْتُها في " شرح التسهيل " ولله الحمد . والحاصلُ أنَّ هذا القارىءَ أجْرى الفواصلَ مُجْرى القوافي فَفَعَلَ فيها ما يَفْعل فيها . وله نظائرُ مَرَّ منها : { الرَّسُولاَ } [ الأحزاب : 66 ] { السَّبِيلاْ } [ الأحزاب : 67 ] { الظُّنُونَاْ } [ الأحزاب : 10 ] في الأحزاب . و{ الْمُتَعَالِ } في الرعد [ الآية : 9 ] " و " يَسْر " هنا ، كما سأبيِّنُه إن شاء الله تعالى . قال الزمخشري : " فإن قلتَ : فما بالُها مُنَكَّرَة مِنْ بين ما أَقْسَمَ به ؟ قلت : لأنها ليالٍ مخصوصةٌ مِنْ بينِ جنس الليالي العِشْرِ بعضٌ منها ، أو مخصوصةٌ بفضيلةٍ ليسَتْ في غيرها . فإنْ قلتَ : هلاَّ عُرِّفَتْ بلامِ العهدِ لأنها ليالٍ معلومةٌ . قلت : لو قيل ذلك لم تستقلَّ بمعنى الفضيلةِ التي في التنكير ، ولأنَّ الأحسنَ أَنْ تكون اللاماتُ متجانِسَةً ليكون الكلامُ أبعدَ من الإِلغازِ والتَّعْمِية " . قلت : يعني بتجانسِ اللاماتِ أن تكون كلُّها إمَّا للجنسِ ، وإمَّا للعهدِ ، والفَرَضُ أنَّ الظاهرَ أن اللاماتِ في الفجر وما معه للجنسِ ، فلو جيءَ بالليالي معرفةً بلامِ العهدِ لَفاتَ التجانسُ .

قوله : { لِّذِى حِجْرٍ } : الحِجْرُ : العقل . وتقدَّم الكلامُ عليه .