الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَمَا كَانَ ٱسۡتِغۡفَارُ إِبۡرَٰهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَن مَّوۡعِدَةٖ وَعَدَهَآ إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُۥٓ أَنَّهُۥ عَدُوّٞ لِّلَّهِ تَبَرَّأَ مِنۡهُۚ إِنَّ إِبۡرَٰهِيمَ لَأَوَّـٰهٌ حَلِيمٞ} (114)

قوله تعالى : { وَعَدَهَآ إِيَّاهُ } : اختُلِف في الضمير المرفوع والمنصوبِ المنفصل فقيل : وهو الظاهر إن المرفوع يعود على إبراهيم ، والمنصوبَ على أبيه ، يعني أن إبراهيم كان وعد أباه أن يستغفرَ له . ويؤيد هذا قراءةُ الحسن وحماد الرواية وابن السَّميفع وأبي نهيك ومعاذ القارىء " وعدها أباه " ، بالباء الموحدة . وقيل : المرفوع لأبي إبراهيم والمنصوب لإِبراهيم ، وفي التفسير أنه كان وَعَدَ إبراهيمَ أنه يؤمن ، فبذلك طَمِع في إيمانه .

والأَوَّاه . الكثير التأَوُّه ، وهو مَنْ يقول : أَوَّاه ، وقيل : مَنْ يقول أوَّه ، وهو أَنْسَبُ لأن أَوَّهَ بمعنى أتوجع ، فالأَوَّاه فعَّال ، مثالُ مبالغة من ذلك ، وقياسُ فعلِه أن يكون ثلاثياً لأن أمثلة المبالغة إنما تَطَّرد في الثلاثي . وقد حكى قطرب فعله ثلاثياً فقال : يقال آهَ يَؤُوه كقام يقوم ، أَوْهاً . وأنكر النحويون هذا القول على قطرب ، وقالوا : لا يُقال مِنْ أَوَّه بمعنى الوَجَع فعلٌ ثلاثي ، إنما يقال : أوَّه تأَوْيهاً ، وتَأَوَّه تَأَوُّهاً . قال الراجز :

2547 فأَوَّه الراعي وضَوْضَى أَكْلبُه ***

وقال المثقب العبدي :

إذا ما قُمْتُ أرْحَلُها بليلٍ *** تأوَّهُ آهَةَ الرجلِ الحزينِ

وقال الزمخشري : " أَوَّاه فَعَّال مِنْ أَوَّه ك لأَل من اللؤلؤ ، وهو الذي يُكثر التأوُّه " ، قال الشيخ : " وتشبيهه أوَّاه مِنْ أوَّه ك لأَّل من اللؤلؤ ليس بجيدٍ ، لأنَّ مادةَ أوَّه موجودة في صورة أواه ، ومادة " لؤلؤ " مفقودةٌ في لأل لاختلاف التركيب إذ " لأل " ثلاثي ، و " لؤلؤ " راعي ، وشرط الاشتقاق التوافق في الحروف الأصلية " . قلت : لاَّل ولؤلؤ كلاهما من الرباعي المكرر ، أي : إن الأصل لام وهمزة ، ثم كرَّرْنا ، غاية ما في الباب أنه اجتمع الهمزتان في لآَّل فأُدْغمت أولاها في الأخرى ، وفُرِّق بينهما في : " لؤلؤ " .