ثم عذر خليله إبراهيم عليه الصلاة والسلام فقال : { وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ } الآية . قال علي بن أبي طالب ( رضي الله عنه ) : أنزل الله قوله تعالى خبراً عن إبراهيم صلى الله عليه وسلم قال :
{ سَلاَمٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً } [ مريم : 47 ] . [ قال علي : ] سمعت فلاناً يستغفر لوالديه وهما مشركان فقلت له : أتستغفر لهما مشركان ، قال : أو لم يستغفر إبراهيم لأبيه ، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فرويت ذلك له فأنزل الله تعالى هذه الآية ، وأنزل قوله تعالى :
{ قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ } [ الممتحنة : 4 ] إلى قوله
{ إِلاَّ قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ } [ الممتحنة : 4 ] وقوله : { إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَآ إِيَّاهُ } يعني بعد موعده .
وقال بعضهم : الهاء في إيّاه عائدة إلى إبراهيم ، وذلك إن أباه وعده أن يسلم فعند ذلك قال إبراهيم :
{ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي } [ مريم : 47 ] وقال بعضهم : هي راجعة إلى إبراهيم وذلك أن إبراهيم وعد أباه أن يستغفر له رجاء إسلامه ، وهو قوله : { سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي } ، وقوله :
{ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ } [ الممتحنة : 4 ] الآية ، تدلّ عليه قراءة الحسن : وعدها أباه بالباء .
{ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ للَّهِ } [ بموت أبيه ] { تَبَرَّأَ مِنْهُ } وقيل : معناه : فلمّا تبين له في الآخرة أنه عدو لله ، وذلك على ما روى في الأخبار أن إبراهيم صلى الله عليه وسلم يقول يوم القيامة : رب والدي رب والدي ، فإذا كانت الثالثة يريه الله فيقول له إبراهيم : إني كنت آمرك في الدنيا فتعصيني ولست بتاركك اليوم لشيء فخذ ( بحبري ) فتعلق به حتى تريد الجواز على الصراط حتى إذا أراد أن يجاوزه به كانت من إبراهيم ( عليه السلام ) التفاتة فإذا هو بأبيه في صورة ضبع ، فتخلّى عنه وتبرأ منه يومئذ وعلى هذا التأويل يكون معنى الكلام الاستقبال ، تقديره : يتبيّن ويتبرأ { إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ } اختلفوا في معناه ، فروى شهر بن حوشب عن عبد الله بن شداد بن الهاد مرسلاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الأوّاه فقال : الخاشع المتضرع ، وقال أنس :
" تكلّمت امرأة عند النبي صلى الله عليه وسلم بشيء كرهه فنهاها عمر ( رضي الله عنه ) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أعرض عنها فأنها أوّاهة " قيل : يا رسول الله وما الأوّاهة ؟ قال : " الخاشعة " " .
وروى عبد الله بن رباح عن كعب في قول الله تعالى : { إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ } فقال : كان إذا ذكر النار قال : أوه .
وقال عبد الله بن مسعود وعبيد بن عمير : الأواه الدعَّاء ، وقال الضحاك : هو الجامع الدعاء .
وروى الأعمش عن الحكم عن يحيى بن الجرار قال : جاء أبو العبيدي رجل من سواد وكان ضريراً إلى ابن مسعود قال : يا عبد الرحمن من يسأل إذا لم يسألك ، ما الأوّاه ؟ فكأن ابن مسعود رق له فقال : الأواه الرحيم .
وقال الحسن وقتادة : الأواه الرحيم بعباد الله ، وقال أبو ميسرة : الأواه الرحيم يوم الحشر ، عطية عن ابن عباس الأواه المؤمن بالحبشية . علي بن أبي طلحة عن ابن عباس الأواه المؤمن التواب ، مجاهد : الأواه المؤمن [ الموقن ، وروي عن . . . . . . ] عن ابن عباس وعلي ابن الحكم عن الضحاك ، وقال عكرمة : هو المستيقن ، بلغة الحبشة ، ألا ترى أنك إذا قلت للحبشي الشيء فعرفه قال : أوّه ، ابن أبي نجيح : المؤتمن . الكلبي : الأواه : المسبح الذي يذكر الله في الأرض القفرة الموحشة ، وقال عقبة بن عامر : الأواه الكثير الذكر لله ، وروى الحكم عن الحسن بن مسلم بن [ ساق ] " أن رجلا كان يكثر ذكر الله ويسبح فذكر ذلك للنبيَ صلى الله عليه وسلم فقال : إنه أوّاه " ، وقيل : هو الذي يكثر تلاوة القرآن .
وقال ابن عباس : " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دفن ميّتاً فقال : يرحمك الله إن كنت لأواه " ، يعني تلاوة القرآن .
وقيل : هو الذي يجهر صوته بالذكر والدعاء والقرآن ويكثر تلاوته ، وكان إبراهيم ( عليه السلام ) يقول : آه من النار قبل أن لا تنفع آه .
وروى شعبة عن أبي يونس الباهلي عن قاضي كان يجمع الحديث
" عن أبي ذر قال : كان رجل يطوف بالبيت ويقول في دعائه : أوه أوه ، فشكاه أبو ذر إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال : دعه فإنه أواه " . قال : فخرجت ذات ليلة فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدفن ذلك الرجل ليلا ومعه المصباح " .
وقال النخعي : الأواه : الفقيه ، وقال الفراء : هو الذي يتأوه من الذنوب ، وقال سعيد بن جبير : الأواه المعلم للخير ، وقال عبد العزيز بن يحيى : هو المشفق ، وكان أبو بكر ( رضي الله عنه ) يُسمّى الأواه لشفقته ورحمته ، وقال عطاء : هو الراجع عن كلمة ما يكره الله ، وقال أيضاً : هو الخائف من النار ، وقال أبو عبيدة : هو المتأوه شفقاً وفرقاً المتضرع يقيناً ولزوماً للطاعة . قال الزجاج : انتظم قول أبي عبيدة جميع ما قيل : في الأواه وأصله من التأوه وهو أن يسمع للصدر صوتاً من تنفس الصعداء والفعل منه أوه وتأوه ، وقال المثقب العبدي :
إذا ما قمت أُرحلها بليل *** تأوه آهة الرجل الحزين
فأوه الراعي وضوضا كلبه *** ولا يقال منه فعل يفعل
{ حَلِيمٌ } عمن سبه وناله بالمكروه وقد قيل أنه ( عليه السلام ) استغفر لأبيه عند وعده إياه وشتمه ، وقوله :
{ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيّاً } [ مريم : 46 ] فقال له :
{ قَالَ سَلاَمٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً } [ مريم : 47 ] وقال ابن عباس : الحليم السيد .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.