فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَمَا كَانَ ٱسۡتِغۡفَارُ إِبۡرَٰهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَن مَّوۡعِدَةٖ وَعَدَهَآ إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُۥٓ أَنَّهُۥ عَدُوّٞ لِّلَّهِ تَبَرَّأَ مِنۡهُۚ إِنَّ إِبۡرَٰهِيمَ لَأَوَّـٰهٌ حَلِيمٞ} (114)

قوله : { وَمَا كَانَ استغفار إبراهيم لأَبِيهِ } الآية : ذكر الله سبحانه السبب في استغفار إبراهيم لأبيه ، أنه كان لأجل وعد تقدّم من إبراهيم لأبيه بالاستغفار له ، ولكنه ترك ذلك وتبرأ منه لما تبين له أنه عدوّ لله ، وأنه غير مستحق للاستغفار ، وهذا يدلّ على أنه إنما وعده قبل أن يتبين له أنه من أهل النار ، ومن أعداء الله ، فلا حاجة إلى السؤال الذي يورده كثير من المفسرين ، أنه كيف خفي ذلك على إبراهيم ، فإنه لم يخف عليه تحريم الاستغفار لمن أصرّ على الكفر ومات عليه ، وهو لم يعلم ذلك إلا بإخبار الله سبحانه له بأنه عدوّ الله ، فإن ثبوت هذه العداوة تدلّ على الكفر ، وكذلك لم يعلم نبينا صلى الله عليه وسلم بتحريم ذلك إلا بعد أن أخبره الله بهذه الآية ، وهذا حكم إنما يثبت بالسمع لا بالعقل .

وقيل : المراد من استغفار إبراهيم لأبيه : دعاؤه إلى الإسلام ، وهو ضعيف جداً . وقيل المراد بالاستغفار في هذه الآية : النهي عن الصلاة على جنائز الكفار ، فهو كقوله : { وَلاَ تُصَلّ على أَحَدٍ مّنْهُم مَّاتَ أَبَداً } ولا حاجة إلى تفسير الاستغفار بالصلاة ولا ملجئ إلى ذلك ، ثم ختم الله سبحانه هذه الآية بالثناء العظيم على إبراهيم . فقال : { إِنَّ إبراهيم لأَوَّاهٌ } وهو كثير التأوّه ، كما تدل على ذلك صيغة المبالغة .

/خ114