بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{وَمَا كَانَ ٱسۡتِغۡفَارُ إِبۡرَٰهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَن مَّوۡعِدَةٖ وَعَدَهَآ إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُۥٓ أَنَّهُۥ عَدُوّٞ لِّلَّهِ تَبَرَّأَ مِنۡهُۚ إِنَّ إِبۡرَٰهِيمَ لَأَوَّـٰهٌ حَلِيمٞ} (114)

ثم قال عز وجل : { وَمَا كَانَ استغفار إبراهيم لأبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ } ؛ وذلك أن أباه وعده أن يسلم ، وكان يستغفر له رجاء أن يسلم . وروى سعيد بن جبير ، عن ابن عباس أنه قال : ما زال إبراهيم يستغفر لأبيه حتى مات ، { فَلَمَّا } مات ، { تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ } ؛ يعني : ترك الدعاء له ولم يستغفر له بعد ما مات على الكفر وللآية هذه وجه آخر روي عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبيه المسيب بن حرب قال : لما حضرت أبا طالب الوفاة ، جاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فوجد عنده أبا جهل وعبد الله بن أمية ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي طالب :

« يَا عَمِّ ، قُلْ لا إله إلاَّ الله كَلِمة النَّجَاةِ ، أشْهَدْ لَكَ بِهَا عِنْدَ الله تَعَالَى » . فقال أبو جهل : أترغب عن ملة عبد المطلب ؟ فلم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه ويعانده أبو جهل بتلك المقالة ، حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم ؛ على ملة عبد المطلب ، وأبى أن يقول : لا إله إلا الله ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : « أمَا وَالله لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عنه » فأنزل الله تعالى { إِنَّكَ لاَ تَهْدِى مَنْ أَحْبَبْتَ ولكن الله يَهْدِى مَن يَشَآءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بالمهتدين } [ القصص : 56 ] ونزل { مَا كَانَ لِلنَّبِىّ والذين ءامَنُواْ } الآية .

وفي قوله تعالى : { إِنَّ إبراهيم لأوَّاهٌ حَلِيمٌ } . وروى سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس أنه قال : كل القرآن أعلمه إلا أربعة : غسلين ، وحناناً ، والأواه ، والرقيم . وروي عن عبد الله بن عباس ، في رواية أُخرى أنه قال : الأواه الذي يذكر الله في الأرض الوحشية . وروي عن ابن مسعود أنه قال : الأواه الرحيم . وقال مجاهد : الموقن . وقال الضحاك : الداعي الذي يلح إلى الله تعالى ، المقبل إليه بطاعته . ويقال : المؤمن بلغة الحبش . ويقال : الأواه معلم الخير . وقال كعب : الأواه الذي إذا ذكر الله ، قال : أواه من النار . وقال القتبي : المتأوه حزناً وخوفاً { حَلِيمٌ } يعني : عن الجهل .