تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَمَا كَانَ ٱسۡتِغۡفَارُ إِبۡرَٰهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَن مَّوۡعِدَةٖ وَعَدَهَآ إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُۥٓ أَنَّهُۥ عَدُوّٞ لِّلَّهِ تَبَرَّأَ مِنۡهُۚ إِنَّ إِبۡرَٰهِيمَ لَأَوَّـٰهٌ حَلِيمٞ} (114)

وقوله تعالى : ( وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلاَّ عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ ) قال بعضهم : وعده إياه الإسلام ، فكان استغفاره لأبيه على وعد الإسلام ، فإنما كان استغفاره بعد إسلامه .

ألا ترى أنه قال : ( ربنا وتقبل دعاء ) ( ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين ) ؟ [ إبراهيم : 40و41 ] فإنما طلب له المغفرة في ذلك اليوم ، وقد كان وعد له الإسلام ، لذلك كان استغفر له . ألا ترى أنه تبرأ منه إذ[ في الأصل وم : إذا ] تبين له أنه من أهل النار [ بقوله تعالى : ( إني برىء مما تشركون )[ الأنعام : 78 ] ][ من م ، ساقطة من الأصل ] .

ويحتمل أن يكون استغفار إبراهيم لأبيه طلب السبب الذي به منه يستوجب المغفرة ، وهو التوحيد ، وهو كقول هود لقومه : ( ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه )[ هود : 52 ] وكقوله نوح : ( استغفروا ربكم إنه كان غفارا )[ نوح : 10 ] ليس بأمرهم أن يقولوا : نستغفر الله ، ولكن يأمرهم بالإسلام ليغفر لهم ، ويكونوا من أهل المغفرة . فعلى ذلك استغفار إبراهيم لأبيه ، وكذلك قوله : ( واغفر لأبي إنه كان من الضالين )[ الشعراء : 86 ] أي اعطه السبب الذي به يستوجب المغفرة ؛ وهو التوحيد كان سؤاله سؤال التوحيد ؛ إذ لا يحل طلب المغفرة للكافر ، وفي الحكمة لا يجوز أن يغفر له .

فإن قيل : فإن كان على ما ذكرتم فكيف[ الفاء ساقطة من الأصل وم ] استثنى ( إلا قول إبراهيم لأستغفرن لك ) بعد ما أخبر لنا أن في إبراهيم قدوة بقوله : ( قد كان لكم أسوة حسنة في إبراهيم ) ؟ [ الممتحنة : 4 ] قيل : يحتمل الاستثناء ، ( إلا قول إبراهيم لأبيه ) أي حتى نعلم المعنى من استغفاره لأنا لا نعرف مراد إبراهيم من استغفاره لأبيه . وكذلك استغفار الأنبياء عليهم السلام لقومهم والمتصلين بهم ، فاستثنى ذلك إلى أن نعلم مرادهم من استغفارهم .

وقوله تعالى : ( إن إبراهيم لأواه حليم ) قيل : الأواه الدَّعَّاء . وعلى ذلك روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن الأواه ، وقال : الدعاء الخاشع والمتضرع . عن ابن عباس رضي الله عنه [ أنه ][ ساقطة من الأصل وم ] قال : الأواه المؤمن ، وقيل : الأواه الفقيه الموقن ، وقيل : المسبح ، وقيل : الأواه المُتَأوِّه حزنا وخوفا .

و( حليم ) قيل : الحكيم ضد السفيه ، وقيل : العليم والحليم هو الذي لا يغضب ، ولا يسفه عند سفه السفيه .