بني الفعل للمفعول ، فقيل : القائل هو الله تعالى ، وقيل : الملائكة تبليغاً عن الله تعالى .
وسنمتعهم أمر عند نزوله بالهبوط من السفينة ومن الجبل مع أصحابه للانتشار في الأرض ، والباء للحال أي : مصحوباً بسلامة وأمن وبركات ، وهي الخيرات النامية في كل الجهات .
ويجوز أن تكون اللام بمعنى التسليم أي : اهبط مسلماً عليك مكرماً .
وقرىء اهبط بضم الباء ، وحكى عبد العزيز بن يحيى وبركة على التوحيد عن الكسائي وبشر بالسلامة إيذاناً له بمغفرة ربه له ورحمته إياه ، وبإقامته في الأرض آمناً من الآفات الدنيوية ، إذ كانت الأرض قد خلت مما ينتفع به من النبات والحيوان ، فكان ذلك تبشيراً له بعود الأرض إلى أحسن حالها ، ولذلك قال : وبركات عليك أي دائمة باقية عليك .
والظاهر أنّ من لابتداء الغاية أي : ناشئة من الذين معك ، وهم الأمم المؤمنون إلى آخر الدهر .
قال الزمخشري : ويحتمل أن تكون من للبيان فتراد الأمم الذين كانوا معه في السفينة لأنهم كانوا جماعات .
وقيل لهم : أمم ، لأنّ الأمم تشعبت منهم انتهى .
وهذا فيه بعد تكلف ، إذ يصير التقدير : وعلى أمم هم من معك ، ولو أريد هذا المعنى لا غنى عنه ، وعلى أمم معك أو على من معك ، فكان يكون أخضر وأقرب إلى الفهم ، وأبعد عن اللبس .
قال الزمخشري : وسنمتعهم صفة ، والخبر محذوف تقديره وممن معك أمم سنمتعهم ، وإنما حذف لأن قوله : ممن معك ، يدل عليه ، والمعنى : أن السلام منا والبركات عليك وعلى أمم مؤمنين ينشئون ممن معك ، وأمم ممتعون بالدنيا منقلبون إلى النار انتهى .
ويجوز أن يكون أمم مبتدأ ، ومحذوف الصفة وهي المسوغة لجواز الابتداء بالنكرة ، والتقدير : وأمم منهم أي ممن معك ، أي ناشئة ممن معك ، وسنمتعهم هو الخبر كما قالوا : السمن منوان بدرهم ، أي منوان منه ، فحذف منه وهو صفة لمنوان ، ولذلك جاز الابتداء بمنوان وهو نكرة .
ويجوز أن يقدر مبتدأ ولا يقدر صفة الخبر سنمتعهم ، ومسوغ الابتداء كون المكان مكان تفصيل ، فكان مثل قول الشاعر :
إذا ما بكى من خلفها انحرفت له *** بشق وشق عندنا لم يحول
وقال القرطبي : ارتفعت وأمم على معنى : ويكون أمم انتهى .
فإنْ كان أراد تفسير معنى فحسن ، وإن أراد الإعراب ليس بجيد ، لأن هذا ليس من مواضع إضمار يكون ، وقال الأخفش : هذا كما تقول كلمت : زيداً وعمرو جالس انتهى .
فاحتمل أن يكون من باب عطف الجمل ، واحتمل أنْ تكون الواو للحال ، وتكون حالاً مقدرة لأنه وقت الأمر بالهبوط لم تكن تلك الأمم موجودة .
وقال أبو البقاء : وأمم معطوف على الضمير في اهبط تقديره : اهبط أنت وأمم ، وكان الفصل بينهما مغنياً عن التأكيد ، وسنمتعهم نعت لأمم انتهى .
وهذا التقدير والمعنى لا يصلحان ، لأنّ الذين كانوا مع نوح في السفينة إنما كانوا مؤمنين لقوله : ومن آمن ، ولم يكونوا قسمين كفاراً ومؤمنين ، فتكون الكفار مأمورين بالهبوط مع نوح ، إلا إن قدر أن من أولئك المؤمنين من يكفر بعد الهبوط ، وأخبر عنهم بالحالة التي يؤولون إليها فيمكن على بعد ، والذي ينبغي أن يفهم من الآية أنّ من معه ينشأ منهم مؤمنون وكافرون ، ونبه على الإيمان بأن المتصفين به من الله عليهم سلام وبركة ، وعلى الكفر بأن المتصفين به يمتعون في الدنيا ثم يعذبون في الآخرة ، وذلك من باب الكناية كقولهم : فلان طويل النجاد كثير الرماد .
وظاهر قوله : ممن معك يدل على أنّ المؤمنين والكافرين نشأوا ممن معه ، والذين كانوا معه في السفينة إن كانوا أولاده الثلاثة فقط ، أو معهم نساؤهم ، انتظم قول المفسرين أنّ نوحاً عليه السلام هو أبو الخلق كلهم ، وسمي آدم الأصغر لذلك .
وإن كانوا أولاده وغيرهم على الاختلاف في العدد ، فإن كان غير أولاده مات ولم ينسل صح أنه أبو البشر بعد آدم ، ولم يصح أنه نشأ ممن معه مؤمن وكافر ، إلا إن أريد بالذين معه أولاده ، فيكون من إطلاق العام ويراد به الخاص .
وإن كانوا نسلوا كما عليه أكثر المفسرين فلا ينتظم أنه أبو البشر بعد آدم بل الخلق بعد الطوفان منه ، وممن كان معه في السفينة والأمم الممتعة ليسوا معينين ، بل هم عبارة عن الكفار .
وقيل : هم قوم هود ، وصالح ، ولوط ، وشعيب ، عليهم الصلاة والسلام .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.