البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلصَّـٰبِـِٔينَ وَٱلنَّصَٰرَىٰ وَٱلۡمَجُوسَ وَٱلَّذِينَ أَشۡرَكُوٓاْ إِنَّ ٱللَّهَ يَفۡصِلُ بَيۡنَهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ شَهِيدٌ} (17)

المجوس : قوم يعبدون النار والشمس والقمر . وقيل : يعبدون النار . وقيل : قوم اعتزلوا النصارى ولبسوا المسوح . وقيل : قوم أخذوا من دين النصارى شيئاً ومن دين اليهود شيئاً وهم القائلون العالم أصلان نور وظلمة . وقيل : الميم في المجوس بدل من النون لاستعمالهم النجاسات . صهرت الشحم بالنار أذبته ، والصهارة الآلية المذابة . وقيل : ينضج قال الشاعر :

تصهره الشمس ولا ينصهر…

لما ذكر قبل { أن الله يهدي من يريد } عقب ببيان من يهديه ومن لا يهديه ، لأن ما قبله يقتضي أن من لا يريد هدايته لا يهديه يدل إثبات الهداية لمن يريد على نفيها عمن لا يريد ، والذين أشركوا هم عبدة الأوثان والأصنام ، ومن عبد غير الله .

قال الزمخشري : ودخلت { إن } على كل واحد جزأي الجملة لزيادة التأكيد ، ونحوه قول جرير :

إنَّ الخليفة إنْ الله سربله *** سربال ملك به ترجى الخواتيم

وظاهر هذا أنه شبه البيت بالآية ، وكذلك قرنه الزجاج بالآية ولا يتعين أن يكون البيت كالآية لأن البيت يحتمل أن يكون خبر إن الخليفة قوله : به ترجى الخواتيم ، ويكون إن الله سربله سربال ملك جملة اعتراضية بين اسم إن وخبرها بخلاف الآية فإنه يتعين قوله { إن الله يفصل } وحسن دخول { إن } على الجملة الواقعة خبراً طول الفصل بينهما بالمعاطيف ، والظاهر أن الفصل بينهم يوم القيامة هو بصيرورة المؤمنين إلى الجنة والكافرين إلى النار ، وناسب الختم بقوله { شهيداً } الفصل بين الفرق .

وقال الزمخشري : الفصل مطلق يحتمل الفصل بينهم في الأحوال والأماكن جميعاً فلا يجازيهم جزاءً واحداً بغير تفاوت ، ولا يجمعهم في موطن واحد .

وقيل { يفصل بينهم } يقضي بين المؤمنين والكافرين .