البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يَسۡجُدُۤ لَهُۥۤ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِي ٱلۡأَرۡضِ وَٱلشَّمۡسُ وَٱلۡقَمَرُ وَٱلنُّجُومُ وَٱلۡجِبَالُ وَٱلشَّجَرُ وَٱلدَّوَآبُّ وَكَثِيرٞ مِّنَ ٱلنَّاسِۖ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيۡهِ ٱلۡعَذَابُۗ وَمَن يُهِنِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُۥ مِن مُّكۡرِمٍۚ إِنَّ ٱللَّهَ يَفۡعَلُ مَا يَشَآءُ۩} (18)

والظاهر أن السجود هنا عبارة عن طواعية ما ذكر تعالى والانقياد لما يريده تعالى ، وهذا معنى شمل من يعقل وما لا يعقل ، ومن { يسجد } سجود التكليف ومن لا يسجده ، وعطف على ما من عبد من دون الله ففي { السموات } الملائكة كانت تعبدها و { الشمس } عبدتها حمير .

وعبد { القمر } كنانة قاله ابن عباس .

والدبران تميم .

والشعرى لخم وقريش .

والثريا طيىء وعطارداً أسد .

والمرزم ربيعة .

و { في الأرض } من عبد من البشر والأصنام المنحوتة من { الجبال والشجر } والبقر وما عبد من الحيوان .

وقرأ الزهري { والدواب } بتخفيف الباء .

قال أبو الفضل الرازي ولا وجه لذلك إلاّ أن يكون فراراً من التضعيف مثل ظلت وقرن ولا تعارض بين قوله { ومن في الأرض } لعمومه وبين قوله { وكثير من الناس } لخصوصه لأنه لا يتعين عطف { وكثير } على ما قبله من المفردات المعطوفة الداخلة تحت يسجد إذ يجوز إضمار { يسجد له } كثير من الناس سجود عبادة دل عليه المعنى لا أنه يفسره { يسجد } الأول لاختلاف الاستعمالين ، ومن يرى الجمع بين المشركين وبين الحقيقة والمجاز يجيز عطف { وكثير من الناس } على المفردات قبله ، وإن اختلف السجود عنده بنسبته لما لا يعقل ولمن يعقل ويجوز أن يرتفع على الابتداء ، والخبر محذوف يدل على مقابلة الذين في الجملة بعده أي { وكثير من الناس } مثاب .

وقال الزمخشري : ويجوز أن يكون { من الناس } خبراً له أي { من الناس } الذين هم الناس على الحقيقة وهم الصالحون والمتقون ، ويجوز أن يبالغ في تكثير المحقوقين بالعذاب فعطفت كثير على كثير ثم ، عبر عنهم بحق عليهم العذاب كأنه قال { وكثير } { وكثير من الناس حق } عليهم { العذاب } انتهى .

وهذان التخريجان ضعيفان .

وقرأ جناح بن حبيش وكبير حق بالباء .

وقال ابن عطية { وكثير حق عليه العذاب } يحتمل أن يكون معطوفاً على ما تقدم أي { وكثير حق عليه العذاب } يسجد أي كراهية وعلى رغمه إما بظله وإما بخضوعه عند المكاره ، ونحو ذلك قاله مجاهد وقال سجوده بظله .

وقرىء { وكثير } حقاً أي { حق عليهم العذاب } حقاً .

وقرىء { حق } بضم الحاء ومن مفعول مقدم بيهن .

وقرأ الجمهور { من مكرم } اسم فاعل .

وقرأ ابن أبي عبلة بفتح الراء على المصدر أي من إكرام .

قال الزمخشري : ومن أهانه الله كتب عليه الشقاوة لما سبق في علمه من كفره أو فسقه ، فقد بقي مهاناً لمن يجد له مكرماً أنه يفعل ما يشاء من الإكرام والإهانة ، ولا يشاء من ذلك إلاّ ما يقتضيه عمل العاملين واعتقاد المعتقدين انتهى .

وفيه دسيسة الاعتزال .