البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَٱبۡتَغِ فِيمَآ ءَاتَىٰكَ ٱللَّهُ ٱلدَّارَ ٱلۡأٓخِرَةَۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ ٱلدُّنۡيَاۖ وَأَحۡسِن كَمَآ أَحۡسَنَ ٱللَّهُ إِلَيۡكَۖ وَلَا تَبۡغِ ٱلۡفَسَادَ فِي ٱلۡأَرۡضِۖ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُفۡسِدِينَ} (77)

ولما نهوه عن الفرح المطغى ، أمروه بأن يطلب ، فيما آتاه الله من الكنوز وسعة الرزق ، ثواب الدار الآخرة ، بأن يفعل فيه أفعال البر ، وتجعله زادك إلى الآخرة .

{ ولا تنسى نصيبك من الدنيا } ، قال ابن عباس ، والجمهور : معناه : ولا تضيع عمرك في أن لا تعمل صالحاً في دنياك ، إذ الآخرة إنما يعمل لها في الدنيا ، فنصيب الإنسان عمره وعمله الصالح فيها ، وهذا التأويل فيه عظة .

وقال الحسن ، وقتادة : معناه : لا تضيع حظك من الدنيا في تمتعك بالحلال وطلبك إياه ونظرك لعاقبة دنياك ، وفي هذا التأويل بعض رفق .

وقال الحسن : معناه : قدم الفضل وأمسك ما تبلغ به .

وقال مالك : هو الأكل والشرب بلا سرف .

وقيل : أرادوا بنصيبه الكفن ، وهذا وعظ متصل ، كأنهم قالوا : تترك جميع مالك ، لا يكون نصيبك منه إلا الكفن ؛ كما قال الشاعر :

نصيبك مما تجمع الدهر كله *** رداءان تأوي فيهما وحنوط

وقال الزمخشري : أن تأخذ منه ما يكفيك ويصلحك ، وهذا قريب من قول الحسن : { وأحسن } إلى عباد الله ، أو بشكرك وطاعتك لله .

{ كما أحسن الله إليك } بتلك النعم التي خولكها ، والكاف للتشبيه ، وهو يكون في بعض الأوصاف ، لأن مماثلة إحسان العبد لإحسان الله من جميع الصفات يمتنع أن تكون ، فالتشبيه وقع في مطلق الإحسان ، أو تكون الكاف للتعليل ، أي أحسن لأجل إحسان الله إليك .

{ ولا تبغ الفساد } : أي ما أنت عليه من البغي والظلم .