البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{مَثَلُ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَوۡلِيَآءَ كَمَثَلِ ٱلۡعَنكَبُوتِ ٱتَّخَذَتۡ بَيۡتٗاۖ وَإِنَّ أَوۡهَنَ ٱلۡبُيُوتِ لَبَيۡتُ ٱلۡعَنكَبُوتِۚ لَوۡ كَانُواْ يَعۡلَمُونَ} (41)

{ العنكبوت } : حيوان معروف ، ووزنه فعللوت ، ويؤنث ويذكر ، فمن تذكيره قول الشاعر :

على هطالهم منهم بيوت *** كأن العنكبوت هو ابتناها

ويجمع عناكب ، ويصغر عنيكيب .

يشبه تعالى الكفار في عبادتهم الأصنام ، وبنائهم أمورهم عليها بالعنكبوت التي تبني وتجتهد ، وأمرها كله ضعيف ، متى مسته أدنى هامة أو هامة أذهبته ، فكذلك أمر أولئك ، وسعيهم مضمحل ، لا قوة له ولا معتمد .

وقال الزمخشري : الغرض تشبيه ما اتخذوه متكلاً ومعتمداً في دينهم ، وتولوه من دون الله ، مما هو مثل عند الناس في الوهن وضعف القوة ، وهو نسج العنكبوت .

ألا ترى إلى مقطع التشبيه ، وهو قوله : { وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت } ؟ انتهى .

يعني بقوله : ألا ترى إلى مقطع التشبيه بما ذكر أولاً من أن الغرض تشبيه المتخذ بالبيت ، لا تشبيه المتخذ بالعنكبوت ؟ والذي يظهر ، هو تشبيه المتخذ من دون الله ولياً ، بالعنكبوت المتخذة بيتاً ، أي فلا اعتماد للمتخذ على وليه من دون الله ، كما أن العنكبوت لا اعتماد لها على بيتها في استظلال وسكنى ، بل لو دخلت فيه خرقته .

ثم بين حال بيتها ، وأنه في غاية الوهن ، بحيث لا ينتفع به .

كما أن تلك الأصنام لا تنفع ولا تجدي شيئاً ألبتة ، وقوله : { لو كانوا يعلمون } ، ليس مرتبطاً بقوله : { وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت } ، لأن كل أحد يعلم ذلك ، فلا يقال فيه : لو كانوا يعلمون ؛ وإنما المعنى : لو كانوا يعلمون أن هذا مثلهم ، وأن أمر دينهم بالغ من الوهن هذه الغاية لأقلعوا عنه ، وما اتخذوا الأصنام آلهة .

وقال الزمخشري : إذا صح تشبيه ما اعتمدوه في دينهم ببيت العنكبوت ، وقد صح أن أوهن البيوت بيت العنكبوت ، فقد تبين أن دينهم أوهن الأديان ، لو كانوا يعلمون ؛ أو أخرج الكلام بعد تصحيح التشبيه مخرج المجاز ، وكأنه قال : وإن أوهن ما يعتمد عليه في الدين عبادة الأوثان ، لو كانوا يعلمون .

ولقائل أن يقول : مثل المشرك الذي يعبد الوثن ، بالقياس إلى المؤمن الذي يعبد الله ، مثل عنكبوت يتخذ بيتاً ، بالإضافة إلى رجل بنى بيتاً بآجر وجص أو نحته من صخر .

فكما أن أوهن البيوت ، إذا استقريتها بيتاً بيتاً ، بيت العنكبوت ، كذلك أضعف الأديان ، إذا استقريتها ديناً ديناً ، عبادة الأوثان ، لو كانوا يعلمون . انتهى .

وما ذكره من قوله : ولقائل أن يقول إلخ .

لا يدل عليه لفظ الآية ، وإنما هو تحميل للفظ ما لا يحتمله ، كعادته في كثير من تفسيره .