{ كيف يهدي الله قوماً كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق وجاءهم البينات والله لا يهدي القوم الظالمين } نزلت في أهل الكتاب آمنوا بالتوراة والإنجيل وفيهما ذكر محمد صلى الله عليه وسلم ، فغيروه وكفروا بعد إيمانهم بنبوّته ، قاله الحسن وروى عطية قريباً منه عن ابن عباس وقال مقاتل : في عشرة رهط ارتدوا فيهم الحارث بن سويد الأنصاري ، فندم ورجع ، ورواه أبو صالح عن ابن عباس ، وذكر مجاهد ، والسدّي : أن الحارث كان يظهر الإسلام ، فلما كان يوم أحد قتل المجدر بن زياد بدم كان له عليه ، وقتل زيد بن قيس ، وارتد ولحق بالمشركين ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر أن يقتله إن ظفر به ، ففاته ، ثم بعث إلى أخيه من مكة يطلب التوبة ، فنزلت إلى قوله : { إلا الذين تابوا } فكتب بها قومه ، إليه فرجع تائباً .
ورواه عكرمة عن ابن عباس ، ولم يسمه ، ولم يذكر سوى أنه رجل من الأنصار ارتد فلحق بالمشركين ، وخرجه النسائي عن ابن عباس مطولاً وقيل : لحق بالروم وقيل : ارتد الحارث في أحد عشر رجلاً ، وسمى منهم الزمخشري : طعمة بن أبيرق ، والحارث بن سويد بن الصامت ، ووحوح بن الأسلت ، وذكر عكرمة أنهم كانوا اثني عشر ، وسمى منهم : أبا عامر الراهب ، والحارث ووجوهاً .
وقال النقاش : نزلت في طعمة بن أبيرق .
ألفاظ الآية تعم كل من ذكر وغيرهم .
وقيل : هي في عامة المشركين وقال مجاهد : حمل الآيات إلى الحارث رجل من قومه فقرأها عليه فقال له الحارث : إنك والله ما علمت لصدوق ، وإن رسول الله لأصدق منك ، وإن الله تعالى لأصدق الثلاثة .
قال فرجع الحارث فأسلم وحسن إسلامه .
كيف : سؤال عن الأحوال ، وهي هنا للتعجيب والتعظيم لكفرهم بعد الإيمان ، أي : كيف يستحق الهداية من أتى بما ينافيها بعد التباسه بها ووضوحها ؟ فاستبعد حصولها لهم مع شدّة الجرائم ، كما قال صلى الله عليه وسلم : « كيف تفلح أمة أدمت وجه نبيها » ؟ .
وقال الزمخشري : كيف يلطف بهم وليسوا من أهل اللطف لما علم الله من تصميمهم على كفرهم ؟ انتهى .
وهذه نزعة إعتزالية ، إذ ليس المعنى عنده : إن الله يخلق الهداية فيهم كما لا يخلق الضلال فيهم ، بل هما مخلوقان للعبد .
وقيل : الاستفهام هنا يراد به الجحد ، والمعنى : ليس يهدي ، ونظيره قول الشاعر :
فهذي سيوف ، يا صديّ بن مالك *** كثير ، ولكن : أين بالسيف ضارب ؟
كيف نَومي على الفراش ولما *** يشمل الشام غارة شعواء ؟
والهداية هنا هي إلى الإيمان واتباع الحق ، وأبعد من زعم أن المعنى : لا يهديهم إلى الجنة إلاَّ إن تجوَّز ، فأطلق المسبب على السبب ، لأن دخول الجنة مسبب عن الإيمان ، فيعود إلى القول الأول .
وشهدوا : ظاهره أنه معطوف على قوله كفروا ، وبه قال الحوفي ، وابن عطية ، ورده مكي وقال : لا يجوز عطف : شهدوا ، على : كفروا ، لفساد المعنى ، ولم يبين من أي جهة فساد المعنى ، وكأنه توهم الترتيب ، فلذلك فسد المعنى عنده وقال ابن عطية : المعنى مفهوم أن الشهادة قبل الكفر ، و : الواو ، لا ترتب ، وأجاز قوم منهم : مكي ، والزمخشري : أن يكون معطوفاً على : ما في إيمانهم ، من معنى الفعل ، إذ المعنى : بعد أن آمنوا وشهدوا .
وأجاز الزمخشري وغيره أن تكون : الواو ، للحال لا للعطف ، التقدير : كفروا بعد إيمانهم وقد شهدوا ، والعامل فيه : كفروا .
والرسول هنا : محمد صلى الله عليه وسلم ، قاله الجمهور ، وجوّز أن يكون الرسول هنا بمعنى الرسالة ، وفيه بعد .
والبينات : هي شواهد القرآن ، والمعجزات التي تأتي بمثلها الأنبياء .
{ والله لا يهدي القوم الظالمين } أي : لا يخلق في قلوبهم الهداية .
و : الظالمين ، عام معناه الخصوص أي : لا يهدي من قضى عليه بأنه يموت على الكفر قال ابن عطية : ويحتمل أن يريد الإخبار عن أن الظالم في ظلمه ليس على هدى من الله ، فتجيء الآية عامة تامة العموم . انتهى .
وهذا المعنى الذي ذكره ينبو عنه لفظ الآية وقال الزمخشري : الظالمين ، المعاندين الذين علم الله أن اللطف لا ينفعهم . انتهى .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.