البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{أَوَلَمۡ يَسِيرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَيَنظُرُواْ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۚ كَانُوٓاْ أَشَدَّ مِنۡهُمۡ قُوَّةٗ وَأَثَارُواْ ٱلۡأَرۡضَ وَعَمَرُوهَآ أَكۡثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَآءَتۡهُمۡ رُسُلُهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِۖ فَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيَظۡلِمَهُمۡ وَلَٰكِن كَانُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ يَظۡلِمُونَ} (9)

{ أو لم يسيروا في الأرض } : هذا تقرير توبيخ ، أي قد ساروا ونظروا إلى ما حمل ممن كان قبلهم من مكذبي الرسل ، ووصف حالهم من الشدة وإثارة الأرض وعمارتها ، وأنهم أقوى منهم في ذلك .

قال مجاهد : { وأثاروا الأرض } : حرثوها .

وقال الفراء : قلبوها للزراعة .

وقال غيرهما : قلبوا وجه الأرض لاستنباط المياه ، واستخراج المعادن ، وإلقاء البذر فيها للزراعة ؛ والإثارة : تحريك الشيء حتى يرتفع ترابه .

وقرأ أبو جعفر : وآثاروا الأرض ، بمدة بعد الهمزة .

وقال ابن مجاهد : ليس بشيء ، وخرجه أبو الفتح على الإشباع كقوله :

ومن ذم الزمان بمنتزاح . . .

وقال : من ضرورة الشعر ، ولا يجيء في القرآن .

وقرأ أبو حيوة : وآثروا من الإثرة ، وهو الاستبداد بالشيء .

وقرىء : وأثروا الأرض : أي أبقوا عنها آثاراً .

{ وعمروها } : من العمارة ، أي بقاؤهم فيها أكثر من بقاء هؤلاء ، أو من العمران : أي سكنوا فيها ، أو من العمارة .

قال الزمخشري : { أكثر مما عمروها } : من عمارة أهل مكة ، وأهل مكة أهل واد غير ذي زرع ، ما لهم إثارة الأرض أصلاً ، ولا عمارة لهم رأساً ، فما هو إلاّ تهكم بهم وتضعيف حالهم في دنياهم ، لأن معظم ما يستظهر به أهل الدنيا ويتباهون به أمر الدهقنة ، وهم أيضاً ضعاف القوى .

{ فما كان الله ليظلمهم } : قبله محذوف ، أي فكذبوهم فأهلكوا .