غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{أَوَلَمۡ يَسِيرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَيَنظُرُواْ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۚ كَانُوٓاْ أَشَدَّ مِنۡهُمۡ قُوَّةٗ وَأَثَارُواْ ٱلۡأَرۡضَ وَعَمَرُوهَآ أَكۡثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَآءَتۡهُمۡ رُسُلُهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِۖ فَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيَظۡلِمَهُمۡ وَلَٰكِن كَانُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ يَظۡلِمُونَ} (9)

1

ثم أتبعه دليل الآفاق الذي يتوقف على السير والتحول ليقفوا على أمر أمثالهم . وحكاية أشكالهم ثم ذكر أنهم أولى بالهلاك لأن من تقدمهم كعاد وثمود كانوا أشد منهم قوة جسمانية وأثاروا الأرض حرثوها وهو إشارة إلى القوة المالية . ثم أشار إلى القوة الظهرية التي يستند إليها عند الضعف والفتور وهي الحصون والعمائر بقوله { وعمروها أكثر مما عمروها } هؤلاء يعني أهل مكة كانوا أهل واد غير ذي زرع ما لهم أثارة أرض أصلاً ولا عمارة لها رأسا ، ففيه نوع تهكم بهم . قال أهل البرهان : إنما قال في هذه السورة وفي آخر " فاطر " وفي " المؤمن " { أولم يسيروا } بالواو وفي غيرهن { أفلم } بالفاء لأن ما قبلها في هذه السورة { أولم يتفكروا } وما بعدها { وأثاروا } بالواو فوافق ما قبلها وما بعدها . وكذا في " فاطر " ما قبله { ولن تجد لسنتنا تحويلاً } [ الآية :43 ] وما بعده { وما كان } [ الآية : 44 ] وفي " المؤمن " ما قبله { والذين يدعون } وأما في آخر " المؤمن " فما قبله { فأي آيات الله } وما بعده { فما أغنى عنهم }

[ الآية : 82 ] وكلاهما بالفاء . قوله في هذه السورة { من قبلهم } متصل بكون آخر مضمر . وقوله { كانوا أشد منهم قوة } وكذا معطوفاه إخبار عما كانوا عليه قبل الإهلاك . وإنما قال في " فاطر " { وكانوا } بزيادة الواو لأن التقدير فينظروا كيف أهلكوا وكانوا أشد ، وخصت السورة به لقوله { وما كان الله ليعجزه } [ فاطر : 44 ] وقال في " المؤمن " { كانوا من قبلهم كانوا هم أشد } فأظهر " كان " وزاد لفظه " هم " لأن الآية وقعت في أوائل قصة موسى وهي تتم في ثلاثين آية ، فكان اللائق به البسط دون الوجازة ولم يبسط هذا البسط في آخر السورة اكتفاء بالأول والله أعلم . { ولكن كانوا أنفسهم يظلمون } بوضع الأنفس الشريفة في موضع خسيس هو عبادة الأصنام .

/خ32