فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{أَوَلَمۡ يَسِيرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَيَنظُرُواْ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۚ كَانُوٓاْ أَشَدَّ مِنۡهُمۡ قُوَّةٗ وَأَثَارُواْ ٱلۡأَرۡضَ وَعَمَرُوهَآ أَكۡثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَآءَتۡهُمۡ رُسُلُهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِۖ فَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيَظۡلِمَهُمۡ وَلَٰكِن كَانُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ يَظۡلِمُونَ} (9)

{ أَوَ لَمْ يَسِيرُواْ في الأرض } الاستفهام للتقريع والتوبيخ لعدم تفكرهم في الآثار وتأملهم لمواقع الاعتبار ، والفاء في { فَيَنظُرُواْ } للعطف على { يسيروا } داخل تحت ما تضمنه الاستفهام من التقريع والتوبيخ ، والمعنى : أنهم قد ساروا وشاهدوا { كَيْفَ كَانَ عاقبة الذين مِن قَبْلِهِمْ } من طوائف الكفار الذين أهلكهم الله بسبب كفرهم بالله ، وجحودهم للحق وتكذيبهم للرسل ، وجملة { كَانُواْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً } مبينة للكيفية التي كانوا عليها ، وأنهم أقدر من كفار مكة ومن تابعهم على الأمور الدنيوية ، ومعنى { وَأَثَارُواْ الأرض } حرثوها وقلبوها للزراعة وزاولوا أسباب ذلك ، ولم يكن أهل مكة أهل حرث { وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا } أي عمروها عمارة أكثر مما عمرها هؤلاء ؛ لأن أولئك كانوا أطول منهم أعماراً ، وأقوى أجساماً ، وأكثر تحصيلاً لأسباب المعاش ، فعمروا الأرض بالأبنية والزراعة والغرس { وَجَاءتْهُمْ رُسُلُهُم } بالبينات أي المعجزات . وقيل : بالأحكام الشرعية { فَمَا كَانَ الله لِيَظْلِمَهُمْ } بتعذيبهم على غير ذنب { ولكن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } بالكفر والتكذيب .

/خ10