البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{لَّوۡ أَرَادَ ٱللَّهُ أَن يَتَّخِذَ وَلَدٗا لَّٱصۡطَفَىٰ مِمَّا يَخۡلُقُ مَا يَشَآءُۚ سُبۡحَٰنَهُۥۖ هُوَ ٱللَّهُ ٱلۡوَٰحِدُ ٱلۡقَهَّارُ} (4)

ولما كان من كذبهم دعوى بعضهم أن الملائكة بنات الله ، وعبدوها عقبه بقوله : { لو أراد الله أن يتخذ ولداً } ، تشريفاً له وتبنياً ، إذ يستحيل أن يكون ذلك في حقه تعالى بالتوالد المعروف ، { لاصطفى } : أي اختار من مخلوقاته ما يشاء ولداً على سبيل التبني ، ولكنه تعالى لم يشأ ذلك لقوله : { وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولداً } وهو عام في اتخاذ النسل واتخاذ الاصطفاء .

ويدل على أن الاتخاذ هو التبني ، والاصطفاء قوله : { مما يخلق } : أي من التي أنشأها واخترعها ؛ ثم نزه تعالى نفسه تنزيهاً مطلقاً فقال : { سبحانه } ، ثم وصف نفسه بالوحدانية والقهر لجميع العالم .

وقال الزمخشري : يعني لو أراد اتخاذ الولد لامتنع ، ولم يصح لكونه محالاً ، ولم يتأت إلا أن يصطفي من خلقه بعضهم ، ويختصهم ويقربهم كما يختص الرجل ولده ويقربه ، وقد فعل ذلك بالملائكة ، فافتتنتم به وغركم اختصاصه إياهم ، فزعمتم أنهم أولاده جهلاً منكم به وبحقيقة المخالفة لحقائق الأجسام والأعراض ، كأنه قال : لو أراد اتخاذ الولد ، لم يزد على ما فعل من اصطفاء ما شاء من خلقه ، وهم الملائكة ، إلا أنكم لجهلكم به ، حسبتم اصطفاءهم اتخاذهم أولاداً ، ثم تماديتم في جهلكم وسفهكم ، فجعلتموهم بنات ، وكنتم كذابين كفارين مبالغين في الافتراء على الله وملائكته .

انتهى والذي يدل على تركيب لو وجوابها أنه كان يترتب اصطفاء الولد مما يخلق على تقدير اتخاذه ، لكنه لم يتخذه ، فلا يصطفيه .

وأما ما ذكره الزمخشري من قوله يعني : لو أراد إلى أخره ، وقوله : بعد ، كأنه قال : لو أراد اتخاذ الولد ، لم يزد على ما فعل من اصطفاء ماشاء الله من خلقه ، وهم الملائكة ، فليس مفهوماً من قوله : { لو أراد الله أن يتخذ ولداً لاصطفى مما يخلق ما يشاء } .