البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{تَنزِيلُ ٱلۡكِتَٰبِ مِنَ ٱللَّهِ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡحَكِيمِ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الزمر

هذه السورة مكية ، وعن ابن عباس : إلا { الله الذين نزل الحديث } ، و { قل يا عبادي الذين أسرفوا } .

وعن مقاتل : إلا { يا عبادي الذين أسرفوا } ، وقوله : { يا عبادي الذين آمنوا اتقوا ربكم أحسنوا في هذه الدنيا حسنة } .

وعن بعض السلف : إلا { يا عبادي الذين أسرفوا } ، إلى قوله : { تشعرون } ، ثلاث آيات .

وعن بعضهم : إلا سبع آيات ، من قوله : { يا عبادي الذين أسرفوا } .

0

0

وقال الفراء والزجاج : { تنزيل } مبتدأ ، و { من الله } الخبر ، أو خبر مبتدأ محذوف ، أي هذا تنزيل ، ومن الله متعلق بتنزيل ؛ وأقول إنه خبر ، والمبتدأ هو ليعود على قوله : { إن هو إلا ذكر للعالمين } ، كأنه قيل : وهذا الذكر ما هو فقيل : هو تنزيل الكتاب .

وقال الزمخشري : أو غير صلة ، يعني من الله ، كقولك : هذا الكتاب من فلان إلى فلان ، وهو على هذا خبر بعد خبر ، أو خبر مبتدأ محذوف تقديره : هذا تنزيل الكتاب .

هذا من الله ، أو حال من تنزيل عمل فيها معنى الإشارة . انتهى .

ولا يجوز أن يكون حالاً عمل فيها معنى الإشارة ، لأن معاني الأفعال لا تعمل إذا كان ما هو فيه محذوفاً ، ولذلك ردوا على أبي العباس قوله في بيت الفرزذق :

وإذ ما مثلهم بشر . . .

أن مثلهم منصوب بالخبر المحذوف وهو مقدر ، أي وأن ما في الوجود في حال مماثلتهم بشر .

والكتاب يظهر أنه القرآن ، وكرر في قوله : { إنا أنزلنا إليك الكتاب } على جهة التفخيم والتعظيم ، وكونه في جملة غير السابقة ملحوظاً فيه إسناده إلى ضمير العظمة وتشريف من أنزل إليه بالخطاب وتخصيصه بالحق .

وقرأ ابن أبي عبلة وزيد بن علي وعيسى : تنزيل بالنصب ، أي اقرأ والزم .

وقال ابن عطية : قال المفسرون في تنزيل الكتاب هو القرآن ، ويظهر لي أنه اسم عام لجميع ما تنزل من عند الله من الكتب ، وكأنه أخبر إخباراً مجرداً أن الكتب الهادية الشارعة إنما تنزيلها من الله ، وجعل هذا الإخبار تقدمة وتوطئة لقوله : { إنا أنزلنا إليك الكتاب } ، والعزيز في قدرته ، الحكيم في ابتداعه .