البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{أَلَا لِلَّهِ ٱلدِّينُ ٱلۡخَالِصُۚ وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِۦٓ أَوۡلِيَآءَ مَا نَعۡبُدُهُمۡ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلۡفَىٰٓ إِنَّ ٱللَّهَ يَحۡكُمُ بَيۡنَهُمۡ فِي مَا هُمۡ فِيهِ يَخۡتَلِفُونَۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي مَنۡ هُوَ كَٰذِبٞ كَفَّارٞ} (3)

{ ألا لله الدين الخالص } : أي من كل شائبة وكدر ، فهو الذي يجب أن تخلص له الطاعة ، لاطلاعه على الغيوب والأسرار ، ولخلوص نعمته على عباده من غير استجرار منفعة منهم .

قال الحسن : الدين الخالص : الإسلام ؛ وقال قتادة : شهادة أن لا إله إلا الله .

{ والذين اتخذوا } : مبتدأ ، والظاهر أنهم المشركون ، واحتمل أن يكون الخبر قال المحذوف المحكى به قوله : { ما نعبدهم } ، أي والمشركون المتخذون من دون الله أولياء قالوا : ما نعبد تلك الأولياء { إلا ليقربونا إلى الله زلفى } ، واحتمل أن يكون الخبر : { إن الله يحكم بينهم } ، وذلك القول المحذوف في موضع الحال ، أي اتخذوهم قائلين ما نعبدهم .

وأجاز الزمخشري أن يكون الخبر { إن الله يحكم } ، وقالوا : المحذوفة بدل من اتخذوا صلة الذين ، فلا يكون له موضع من الإعراب ، وكأنه من بدل الاشتمال .

وفي مصحف عبد الله : قالوا ما نعبدهم ، وبه قرأ هو وابن عباس ومجاهد وابن جبير ، وأجاز الزمخشري أن يكون { والذين اتخذوا } بمعنى المتخذين ، وهم الملائكة وعيسى واللات والعزى ونحوهم ، والضمير في اتخذوا عائد على الموصول محذوف تقديره : والذين اتخذهم المشركون أولياء ، وأولياء مفعول ثان ، وهذا الذي أجازه خلاف الظاهر ، وهذه المقالة شائعة في العرب ، فقال ذلك ناس منهم في الملائكة وناس في الأصنام والأوثان .

قال مجاهد : وقد قال ذلك قوم من اليهود في عزيز ، وقوم من النصارى في المسيح .

وقرىء : ما نعبدهم بضم النون ، اتباعاً لحركة الباء .

{ إن الله يحكم بينهم } : اقتصر في الرد على مجرد التهديد ، والظاهر أن الضمير في بينهم عائد على المتخذين ، والمتخذين والحكم بينهم هو بإدخال الملائكة وعيسى عليه السلام الجنة ، ويدخلهم النار مع الحجارة والخشب التي نحتوها وعبدوها من دون الله ، يعذبهم بها ، حيث يجعلهم وإياها حصب جهنم .

واختلافهم أن من عبدوه كالملائكة وعيسى كانوا متبرئين منهم لاعنين لهم موحدين لله .

وقيل : الضمير في بينهم عائد على المشركين والمؤمنين ، إذا كانوا يلومونهم على عبادة الأصنام فيقولون : { ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى } ، والحكم إذ ذاك هو في يوم القيامة بين الفريقين .

{ إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار } : كاذب في دعواه أن لله شريكاً ، كفار لأنعم الله حيث ، جعل مكان الشكر الكفر ، والمعنى : لا يهدي من ختم عليه بالموافاة على الكفر فهو عام ، والمعنى على الخصوص : فكم قد هدى من سبق منه الكذب والكفر .

قال ابن عطية : لا يهدي الكاذب الكافر في حال كذبه وكفره .

وقال الزمخشري : المراد بمنع الهداية : منع اللطف تسجيلاً عليهم بأن لا لطف لهم ، وأنهم في علم الله من الهالكين .

انتهى ، وهو على طريق الاعتزال .

وقرأ أنس بن مالك ، والجحدري ، والحسن ، والأعرج ، وابن يعمر : كذاب كفار .

وقرأ زيد بن علي : كذوب وكفور .