البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ بِٱلۡحَقِّۖ يُكَوِّرُ ٱلَّيۡلَ عَلَى ٱلنَّهَارِ وَيُكَوِّرُ ٱلنَّهَارَ عَلَى ٱلَّيۡلِۖ وَسَخَّرَ ٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَۖ كُلّٞ يَجۡرِي لِأَجَلٖ مُّسَمًّىۗ أَلَا هُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡغَفَّـٰرُ} (5)

التكوير : اللف واللي ، يقال : كار العمامة على رأسه وكوّرها .

ولما نزه تعالى نفسه ووصف ذاته بالوحدة والقهر ، ذكر ما دل على ذلك من اختراع العالم العلوي والسفلي بالحق ، وتكوير الليل والنهار ، وتسخير النيرين وجريهما على نظام واحد ، واتساق أمرهما على ما أراد إلى أجل مسمى ، وهو يوم القيامة ، حيث تخرب بنية هذا العالم فيزول جريهما ، أو إلى وقت مغيبهما كل يوم وليلة ، أو وقت قوايسها كل شهر .

والتكوير : تطويل منهما على الآخر ، فكأنه الآخر صار عليه جزء منه .

قال ابن عباس : يحمل الليل على النهار .

وقال الضحاك : يدخل الزيادة في أحدهما بالنقصان من الآخر .

وقال أبو عبيدة : يدخل هذا على هذا .

وقال الزمخشري : وفيه أوجه : منها أن الليل والنهار خلفة ، يذهب هذا ويغشى مكانه هذا ؛ وإذا غشي مكانه فكأنما ألبسه ولف عليه كما يلف على اللابس اللباس ؛ ومنها أن كل واحد منهما يغيب الآخر إذا طرأ عليه ، فشبه في تغييبه إياه بشيء ظاهر لف عليه ما غيبه من مطامح الأبصار ؛ ومنها أن هذا يكر على هذا كروراً متتابعاً ، فشبه ذلك بتتابع أكوار العمامة بعضها على أثر بعض . انتهى .

{ ألا هو العزيز الغفار } : العزيز الذي لا يغالب ، الغفار لمن تاب ، أو الحليم الذي لا يعجل ، سمى الحلم غفراناً مجازاً .