وجواب القسم محذوف يدل عليه يوم القيامة المقسم به وما بعده من قوله : { أيحسب } الآية ، وتقديره لتبعثن .
وقال الزمخشري : فإن قلت : قوله تعالى : { فلا وربك لا يؤمنون } والأبيات التي أنشدتها المقسم عليه فيها منفي ، وكان قد أنشد قول امرىء القيس :
لا وأبيك ابنة العامري *** لا يدعي القوم إني أفرّ
ألا نادت أمامة باحتمالي *** لتحزنني فلا بك ما أبالي
قال : فهلا زعمت أن لا التي للقسم زيدت موطئة للنفي بعده ومؤكدة له ، وقدرت المقسم عليه المحذوف ههنا منفياً ، نحو قولك : { لا أقسم بيوم القيامة } ، لا تتركون سدى ؟ قلت : لو قصروا الأمر على النفي دون الإثبات لكان لهذا القول مساغ ، ولكنه لم يقسم .
ألا ترى كيف لقي { لا أقسم بهذا البلد } بقوله : { لقد خلقنا الإنسان في كبد } وكذلك { فلا أقسم بمواقع النجوم } { إنه لقرآن كريم } ثم قال الزمخشري : وجواب القسم ما دل عليه قوله : { أيحسب الإنسان أن لن نجمع عظامه } ، وهو لتبعثن . انتهى ، وهو تقدير النحاس .
وقول من قال جواب القسم هو : { أيحسب الإنسان } .
وما روي عن الحسن أن الجواب : { بلى قادرين } ، وما قيل أن لا في القسمين لنفيهما ، أي لا أقسم على شيء ، وأن التقدير : أسألك أيحسب الإنسان ؟ أقوال لا تصلح أن يرد بها ، بل تطرح ولا يسود بها الورق ، ولولا أنهم سردوها في الكتب لم أنبه عليها .
والإنسان هنا الكافر المكذب بالبعث .
روي أن عدي بن ربيعة قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : يا محمد ، حدّثني عن يوم القيامة متى يكون أمره ؟ فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : لو عاينت ذلك اليوم لم أصدقك ولم أؤمن به ، أويجمع الله هذه العظام بعد بلاها ، فنزلت .
وقيل : نزلت في أبي جهل ، كان يقول : أيزعم محمد صلى الله عليه وسلم أن يجمع الله هذه العظام بعد بلاها وتفرّقها فيعيدها خلقاً جديداً ؟
وقرأ الجمهور : { نجمع } بنون ، { عظامه } نصباً ؛ وقتادة : بالتاء مبنياً للمفعول ، عظامه رفعاً ، والمعنى : بعد تفرّقها واختلاطها بالتراب وتطيير الرياح إياها في أقاصي الأرض .
وقوله : { أيحسب } استفهام تقرير وتوبيخ ، حيث ينكر قدرة الله تعالى على إعادة المعدوم .
{ بلى } : جواب للاستفهام المنسحب على النفي ، أي بلى نجمهعا .
وذكر العظام ، وإن كان المعنى إعادة الإنسان وجمع أجزائه المتفرقة ، لأن العظام هي قالب الخلق .
وقرأ الجمهور : { قادرين } بالنصب على الحال من الضمير الذي في الفعل المقدر وهو يجمعها ؛ وابن أبي عبلة وابن السميفع : قادرون ، أي نحن قادرون .
{ على أن نسوي بنانه } : وهي الأصابع ، أكثر العظام تفرّقاً وأدقها أجزاء ، وهي العظام التي في الأنامل ومفاصلها ، وهذا عند البعث .
وقال ابن عباس والجمهور : المعنى نجعلها في حياته هذه بعضة ، أو عظماً واحداً كخف البعير لا تفاريق فيه ، أي في الدنيا فتقل منفعته بها ، وهذا القول فيه توعد ، والمعنى الأول هو الظاهر والمقصود من رصف الكلام .
وذكر الزمخشري هذين القولين بألفاظ منمقة على عادته في حكاية أقوال المتقدمين .
وقيل : { قادرين } منصوب على خبر كان ، أي بلى كنا قادرين في الابتداء .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.