البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لِّمَن فِيٓ أَيۡدِيكُم مِّنَ ٱلۡأَسۡرَىٰٓ إِن يَعۡلَمِ ٱللَّهُ فِي قُلُوبِكُمۡ خَيۡرٗا يُؤۡتِكُمۡ خَيۡرٗا مِّمَّآ أُخِذَ مِنكُمۡ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (70)

نزلت هذه الآية عقيب بدر في أسرى بدر أعلموا أنّ لهم ميلاً إلى الإسلام وأنهم يؤملونه إن فدوا ورجعوا إلى قومهم ، وقيل في عباس وأصحابه قالوا للرسول : آمنا بما جئت ونشهد أنك روسل الله لننصحن لك على قومنا ومعنى { في أيديكم } أي ملكتكم كان الأيدي قابضة عليهم والصحيح أن الأسارى كانوا سبعين والقتلى سبعين كما ثبت في صحيح مسلم وهو قول ابن عباس وابن المسيب وأبي عمرو بن العلاء ، وكان عليهم حين جيء بهم إلى المدينة شقران مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال مالك : كانوا مشركين ومنهم العباس بن عبد المطلب أسره أبو اليسر كعب بن عمرو أخو بني سلمة وكان قصيراً والعباس ضخم طويل فلما جاء به قال الرسول صلى الله عليه وسلم : « لقد أعانك عليه ملك » وعن العباس كنت مسلماً ولكنهم استكرهوني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إن يكن ما تقول حقّاً فالله يجريك فأما ظاهر أمرك فقد كنت علينا » وكان أحد الذين ضمنوا إطعام أهل بدر وخرج بالذهب لذلك ، وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للعباس إفِد ابني أخيك عقيل بن أبي طالب ونوفل بن الحرث ، فقال يا محمد تركتني أتكفف قريشاً ما بقيت ، فقال له : « أين المال الذي دفعته إلى أم الفضل وقت خروجك من مكة وقلت لها : لا أدري ما يصيبني في وجهي هذا فإن حدث بي حدث فهو لك ولعبد الله وعبيد الله والفضل ، فقال العباس : وما يدريك قال : أخبرني به ربي » ، قال العباس : فأنا أشهد أنك صادق وأن لا إله إلا الله وأنت عبده ورسوله ، والله لم يطلع عليه أحد إلا الله ولقد دفعته إليها في سواد الليل ولقد كنت مرتاباً في أمرك فأما إذا أخبرتني بذلك فلا ريب ، قال العباس فأبدلني الله خيراً من ذلك لي الآن عشرون عبداً إنّ أدناهم ليضرب في عشرين ألفاً وأعطاني زمزم ما أحب أن لي بها جميع أموال مكة وأنا أنتظر المغفرة من ربي .

وروي أنه قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم مال البحرين ثمانون ألفاً فتوضّأ لصلاة الظهر وما صل حتى فرّقه وأمر العباس أن يأخذ منه فأخذ ما قدر على حمله وكان يقول : هذا خير مما أخذ مني وأرجو المغفرة ومعنى { إنْ يعلم الله } أنْ يتبين للناس علم الله { في قلوبكم خيراً } أي إسلاماً كما زعمتم بأن تظهروا الإسلام فإنه سيعطيكم أفضل مما أخذ منكم بالفداء وسيغفر لكم ما اجترحتموه فإن الإسلام يحب ما قبله .

وقرأ الجمهور { من الأسرى } وابن محيصن من أسرى منكراً وقتادة وأبو جعفر وابن أبي إسحاق ونصر بن عاصم وأبو عمرو من السبعة من الأسارى واختلف عن الحسن وعن الجحدري ، وقرأ الأعمش يثبكم خيراً من الثواب ، وقرأ الحسن وأبو حيوة وشيبة وحميد مما أخذ مبنياً للفاعل ، وإيتاء هذا الخير ، قيل في الدنيا وقيل في الآخرة ، وقيل فيهما