أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير للجزائري - أبوبكر الجزائري [إخفاء]  
{مُّحَمَّدٞ رَّسُولُ ٱللَّهِۚ وَٱلَّذِينَ مَعَهُۥٓ أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلۡكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيۡنَهُمۡۖ تَرَىٰهُمۡ رُكَّعٗا سُجَّدٗا يَبۡتَغُونَ فَضۡلٗا مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضۡوَٰنٗاۖ سِيمَاهُمۡ فِي وُجُوهِهِم مِّنۡ أَثَرِ ٱلسُّجُودِۚ ذَٰلِكَ مَثَلُهُمۡ فِي ٱلتَّوۡرَىٰةِۚ وَمَثَلُهُمۡ فِي ٱلۡإِنجِيلِ كَزَرۡعٍ أَخۡرَجَ شَطۡـَٔهُۥ فَـَٔازَرَهُۥ فَٱسۡتَغۡلَظَ فَٱسۡتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِۦ يُعۡجِبُ ٱلزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ ٱلۡكُفَّارَۗ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ مِنۡهُم مَّغۡفِرَةٗ وَأَجۡرًا عَظِيمَۢا} (29)

شرح الكلمات :

{ محمد رسول الله والذين معه } : أي أصحابه رضوان الله عليهم .

{ أشداء على الكفار } : أي غلاظ لا يرحمونهم .

{ رحماء بينهم } : أي متعاطفون متوادون كالوالد مع الولد .

{ تراهم ركعا سجدا } : أي تبصرهم ركعاً سجداً أي راكعين ساجدين .

{ يبتغون فضلا من الله ورضوانا } : أي يطلبون بالركوع والسجود ثوابا من ربهم هو الجنة ورضوانا هو رضاه عز وجل .

{ سيماهم في وجوههم } : أي نور وبياض يعرفون به يوم القيامة انهم سجدوا في الدنيا .

{ ذلك } : أي الوصف المذكور .

{ مثلهم في التوراة } : أي صفتهم في التوراة كتاب موسى عليه السلام .

{ أخرج شطأه } : أي فراخه .

{ فآزره } : أي قواه وأعانه .

{ فاستغلظ فاستوى } : أي غلظ واستوى أي قَوِيَ .

{ على سوقه } : جمع ساق أي على أصوله .

{ ليغيظ بهم الكفار } : هذا تعليل أي قواهم وكثرهم ليغيظ بهم الكفار .

المعنى :

لما أخبر تعالى انه أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله شهادة منه بذلك أخبر أيضا عنه بما يؤكد تلك الشهادة فقال تعالى { محمد رسول الله والذين معه } من أصحابه { أشداء على الكفار } أي غلاظ قساة عليهم ، وذلك لأمرين الأول أنهم كفروا بالله وعادوه ولم يؤمنوا به ولم يجيبوه ، والله يبغضهم لذلك فهم إذاً غلاظ عليهم لذلك والثاني أن الغلظة والشدة قد تكون سببا في هدايتهم لأنهم يتألمون بها ، ويرون خلافها مع المسلمين فيسلمون فيرحمون ويفوزون . وقوله تعالى { رحماء بينهم } أي فيما بينهم يتعاطفون يتراحمون فَتَرَى أحدهم يكره أن يمس جسمه أو ثوبه جسم الكافر أو ثوبه ، وتراه مع المسلم إذا رآه صافحه وعانقه ولاطفه وأعانه وأظهر له الحب والود . وقوله تعالى { تراهم } أي تبصرهم أيها المخاطب { ركعاً سجداً } أي راكعين ساجدين في صلواتهم { يبتغون } أي يطلبون بصلاتهم بعد إيمانهم وتعاونهم وتحاببهم وتعاطفهم مع بعضهم ، يطلبون بذلك { فضلا من ربهم ورضوانا } أي الجنة ورضا الله . وهذا أسمى ما يطلب المؤمن أن يدخله الله الجنة بعد أن ينقذه من النار ويرضى عنه . وقوله { سيماهم في وجوههم من أثر السجود } أي علامات إيمانهم وصفائهم في وجوههم من أثر السجود إذ يبعثون يوم القيامة غُراً محجلين من آثار الوضوء { نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم } وفي الدنيا عليهم يسما التقوى والصلاح والتواضع واللين والرحمة . وقوله تعالى { ذلك } أي المذكور { مثلهم في التوراة } { ومثلهم في الإِنجيل كزرع أخرج شطأه } أي فراخه { فآزره } أي قواه وأعانه { فاستغلظ } أي غلظ { فاستوى } أي قوي { على سوقه } جمع ساق ما يحمل السنبلة من أصل لها { يعجب الزراع } أي الزارعين له وذلك لحسنه وسلامة ثمرته وقوله تعالى { ليغيظ بهم الكفار } أي قواهم وكثرهم من أجل أن يغيظ بهم الكفار ولذا ورد عن مالك بن أنس رحمه الله تعالى أن من يغيظه أصحاب رسول الله فهو كافر وقوله { وعد الله الذي آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة } أي لذنوبهم { وأجراً عظيما } هو الجنة .

هذا وعد خاص بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رضوان الله عليهم وهناك وعد عام لسائر المؤمنين والمؤمنات وذلك في آيات أخرى مثل آية المائدة { وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر عظيم } .

الهداية الكريمة :

من الهداية الكريمة :

- تقرير نبوة رسول الله وتأكيد رسالته .

- بيان ما كان عليه رسول الله وأصحابه من الشدة والغلظة على الكفار والعطف والرحمة على أهل الإِيمان وهذا مما يجب الأتساء بهم فيه والاقتداء .

- بيان فضل الصلاة ذات الركوع والسجود والطمأنينة والخشوع .

- صفة أصحاب رسول الله في كل من التوراة والإِنجيل ترفع من درجتهم وتعلي من شأنهم .

- بيان أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بدأوا قليلين ثم أخذوا يكثرون حتى كثروا كثرة أغاظت الكفار .

- بُغض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتنافى مع الإِيمان منافاة كاملة لا سيما خيارهم وكبارهم كالخلفاء الراشدين الأربعة والمبشرين بالجنة العشرة وأصحاب بيعة الرضوان ، وأهل بدر قبلهم .

ولذا روي عن مالك رحمه الله تعالى : أن من يغيظه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو كافر .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{مُّحَمَّدٞ رَّسُولُ ٱللَّهِۚ وَٱلَّذِينَ مَعَهُۥٓ أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلۡكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيۡنَهُمۡۖ تَرَىٰهُمۡ رُكَّعٗا سُجَّدٗا يَبۡتَغُونَ فَضۡلٗا مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضۡوَٰنٗاۖ سِيمَاهُمۡ فِي وُجُوهِهِم مِّنۡ أَثَرِ ٱلسُّجُودِۚ ذَٰلِكَ مَثَلُهُمۡ فِي ٱلتَّوۡرَىٰةِۚ وَمَثَلُهُمۡ فِي ٱلۡإِنجِيلِ كَزَرۡعٍ أَخۡرَجَ شَطۡـَٔهُۥ فَـَٔازَرَهُۥ فَٱسۡتَغۡلَظَ فَٱسۡتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِۦ يُعۡجِبُ ٱلزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ ٱلۡكُفَّارَۗ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ مِنۡهُم مَّغۡفِرَةٗ وَأَجۡرًا عَظِيمَۢا} (29)

قوله تعالى : { محمد رسول الله } تم الكلام ها هنا ، قاله ابن عباس ، شهد له بالرسالة ، ثم قال مبتدئاً : { والذين معه } قالوا وفيه " واو " فيه للاستئناف ، أي : والذين معه من المؤمنين ، { أشداء على الكفار } غلاظ عليهم كالأسد على فريسته لا تأخذهم فيهم رأفة ، { رحماء بينهم } متعاطفون متوادون بعضهم لبعض ، كالولد مع الوالد ، { أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين ( المائدة-54 ) { تراهم ركعاً سجداً } أخبر عن كثرة صلاتهم ومداومتهم عليها ، { يبتغون فضلاً من الله } أن يدخلهم الجنة ، { ورضواناً } أن يرضى عنهم ، { سيماهم } أي : علامتهم ، { في وجوههم من أثر السجود } اختلفوا في هذا السيما : فقال قوم : هم نور وبياض في وجوههم يوم القيامة يعرفون به أنهم سجدوا في الدنيا ، وهو رواية عطية العوفي عن ابن عباس ، قال عطاء بن أبي رباح والربيع بن أنس : استنارت وجوههم من كثرة ما صلوا . وقال شهر بن حوشب : تكون مواضع السجود من وجوههم كالقمر ليلة البدر . وقال آخرون : هو السمت الحسن والخشوع والتواضع . وهو رواية الوالبي عن ابن عباس قال : ليس بالذي ترون ولكنه سيما الإسلام وسجيته وسمته وخشوعه . وهو قول مجاهد ، والمعنى : أن السجود أورثهم الخشوع والسمت الحسن الذي يعرفون به . وقال الضحاك : هو صفرة الوجه من السهر . وقال الحسن : إذا رأيتهم حسبتهم مرضى وما هم بمرضى . قال عكرمة وسعيد بن جبير : هو أثر التراب على الجباه . قال أبو العالية : لأنهم يسجدون على التراب لا على الأثواب . وقال عطاء الخراساني : دخل في هذه الآية كل من حافظ على الصلوات الخمس . { ذلك } الذي ذكر ، { مثلهم } صفتهم { في التوراة } ها هنا تم الكلام ، ثم ذكر نعتهم في الإنجيل ، فقال : { ومثلهم } صفتهم ، { في الإنجيل كزرع أخرج شطأه } قرأ ابن كثير ، وابن عامر : شطأه بفتح الطاء ، وقرأ الآخرون بسكونها ، وهما لغتان كالنهر والنهر ، وأراد فراخه ، يقال : أشطأ الزرع فهو مشطئ ، إذا فرخ ، قال مقاتل : هو نبت واحد ، فإذا خرج ما بعده فهو شطؤه . وقال السدي : هو أن يخرج معه الطاقة الأخرى . قوله : { فآزره } قرأ ابن عامر : فأزره بالقصر والباقون بالمد ، أي : قواه وأعانه وشد أزره ، { فاستغلظ } ذلك الزرع ، { فاستوى } أي : تم وتلاحق نباته وقام ، { على سوقه } أصوله ، { يعجب الزراع } أعجب ذلك زراعه . هذا مثل ضربه الله عز وجل لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم في الإنجيل أنهم يكونون قليلاً ، ثم يزدادون ويكثرون . قال قتادة : مثل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في الإنجيل مكتوب أنه سيخرج قوم ينبتون نبات الزرع يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر . وقيل : الزرع محمد الشطء : أصحابه والمؤمنون . وروي عن مبارك بن فضالة عن الحسن قال : { محمد رسول الله والذين معه } : أبو بكر الصديق رضي الله عنه ، { أشداء على الكفار } عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، رحماء بينهم عثمان رضي الله عنه ، تراهم ركعاً سجداً علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، يبتغون فضلاً من الله بقية العشرة المبشرين بالجنة . وقيل : { كمثل زرع } محمد ، { أخرج شطأه } أبو بكر { فآزره } عمر { فاستغلظ } عثمان ، للإسلام { فاستوى على سوقه } علي بن أبي طالب استقام الإسلام بسيفه ، يعجب الزراع قال : هم المؤمنون . { ليغيظ بهم الكفار } قول عمر لأهل مكة بعدما أسلم : لا تعبدوا الله سراً بعد اليوم .

حدثنا أبو حامد أحمد بن محمد الشجاعي السرخسي إملاءً ، أنبأنا أبو بكر عبد الله بن أحمد القفال ، حدثنا أبو أحمد عبد الله بن محمد الفضل السمرقندي ، حدثنا شيخي أبو عبد الله محمد بن الفضل البلخي ، حدثنا رجاء بن قتيبة بن سعيد ، حدثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي ، عن عبد الرحمن بن حميد ، عن أبيه ، عن عبد الرحمن بن عوف : أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : " أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي في الجنة ، وطلحة ، والزبير ، وعبد الرحمن بن عوف ، وسعد بن أبي وقاص في الجنة ، وسعيد بن زيد ، وأبو عبيدة بن الجراح ، في الجنة " .

حدثنا أبو المظفر محمد بن أحمد النعيمي ، أنبأنا أبو محمد عبد الرحمن بن عثمان بن قاسم ، حدثنا خيثمة بن سليمان بن حيدرة الأطرابلسي ، حدثنا أحمد بن هاشم الأنطاكي ، حدثنا قطبة بن العلاء ، حدثنا سفيان الثوري ، عن خالد الخزاعي ، عن أبي قلابة ، عن أنس بن مالك ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أرحم أمتي أبو بكر ، وأشدهم في أمر الله عمر ، وأصدقهم حياءً عثمان ، وأفرضهم زيد بن ثابت ، وأقرؤهم أبي بن كعب ، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل ، ولكل أمة أمين ، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح " . ورواه معمر عن قتادة مرسلاً وفيه : " وأقضاهم علي " .

أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا معلى بن أسد ، حدثنا عبد العزيز المختار قال خالد الحذاء : حدثنا عن أبي عثمان قال حدثني عمرو بن العاص : " أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه على جيش ذات السلاسل قال : فأتيه فقلت : أي الناس أحب إليك . قال : عائشة ، فقلت : من الرجال . فقال : أبوها ، قلت : ثم من ؟ قال : عمر ، فعد رجالاً فسكت مخافة أن يجعلني في آخرهم " . أخبرنا أبو منصور عبد المالك ، وأبو الفتح نصر بن الحسين ، أنبأنا علي بن أحمد ابن منصور بن محمد بن الحسين بن شاذويه الطوسي بها قال : حدثنا أبو الحسن محمد ابن كيسان النحوي ، حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن شريك الأسدي ، حدثنا يحيى بن سلمة بن كهيل ، حدثنا أبي ، عن أبيه ، عن سلمة ، عن أبي الزهراء ، عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " اقتدوا باللذين من بعدي من أصحابي : أبي بكر وعمر ، واهتدوا بهدي عمار ، وتمسكوا بعهد ابن أم عبد " .

أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي ، أنبأنا أبو الحسين علي بن محمد بن بشران ، أنبأنا إسماعيل بن محمد الصفار ، حدثنا أحمد بن منصور الرمادي ، حدثنا عبد الرزاق ، أنبأنا معمر عن أبي حازم ، عن سهل بن سعد أن أحدً ارتج وعليه محمد صلى الله عليه وسلم وأبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، فقال محمد صلى الله عليه وسلم : " اثبت أحد ما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد " . أخبرنا أبو الحسن عبد الرحمن بن محمد الداودي ، أنبأنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن موسى بن الصلت ، حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي ، حدثنا أبو سعيد الأشج ، أنبأنا وكيع ، حدثنا الأعمش ، عن عدي بن ثابت ، عن زر بن حبيش ، عن علي قال : " عهد إلي الرسول صلى الله عليه وسلم أنه لا يحبك إلا مؤمن ، ولا يبغضك إلا منافق " .

أخبرنا أبو المظفر التميمي ، أنبأنا عبد الرحمن بن عثمان ، أنبأنا خيثمة بن سليمان ، حدثنا محمد بن الفضل بن عطية ، عن عبد الله بن بريدة ، عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من مات من أصحابي بأرض كان نورهم وقائدهم يوم القيامة " . قوله عز وجل : { ليغيظ بهم الكفار } أي : إنما كثرهم وقواهم ليكونوا غيظاً للكافرين . قال مالك بن أنس : من أصبح وفي قلبه غيظ على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد أصابته هذه الآية .

أنبأنا أبو الطيب طاهر بن محمد بن العلاء البغوي ، حدثنا أبو معمر المفضل بن إسماعيل ، أنبأنا جدي أبو بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي ، أخبرني الهيثم بن خلف الدوري ، حدثنا المفضل بن غسان بن المفضل العلائي ، حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد ، حدثنا عبيدة بن أبي رابطة عن عبد الرحمن بن زياد عن عبد الله بن مغفل المزني قال : قال نبي الله صلى الله عليه وسلم : " الله الله في أصحابي ، لا تتخذوهم غرضاً من بعدي ، فمن أحبهم فبحبي أحبهم ، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم ، ومن آذاهم فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله ، ومن آذى الله فيوشك أن يأخذه " .

حدثنا أبو المظفر بن محمد بن أحمد بن حامد التميمي ، أنبأنا أبو محمد عبد الرحمن بن عثمان بن القاسم ، أنبأنا أبو الحسن خيثمة بن سليمان ، حدثنا إبراهيم بن عبد الله العبسي القصار بالكوفة ، أنبأنا وكيع بن الجراح ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي سعيد الخدري قال : قال نبي الله صلى الله عليه وسلم : " لا تسبوا أصحابي ، فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه " .

أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أبو عبد الله محمد بن الحسين الزعرياني ، حدثنا أبو محمد عبد الله بن عروة ، حدثنا محمد بن الحسين بن محمد بن إسكاف ، حدثنا شبابة بن سوار ، حدثنا فضيل بن مرزوق عن أبي خباب عن أبي سليم الهمداني ، عن أبيه ، عن علي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن سرك أن تكون من أهل الجنة فإن قوماً ينتحلون حبك يقرؤون القرآن لا يتجاوز تراقيهم ، نبزهم الرافضة ، فإن أدركتهم فجاهدهم فإنهم مشركون " في إسناد هذا الحديث نظر . وقول الله عز وجل : { وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم } قال ابن جرير : يعني من الشطء الذي أخرجه الزرع ، وهم الداخلون في الإسلام بعد الزرع إلى يوم القيامة ، ورد الهاء والميم لفظه على معنى الشطء { مغفرة وأجراً عظيماً } يعني الجنة والله اعلم .

 
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{مُّحَمَّدٞ رَّسُولُ ٱللَّهِۚ وَٱلَّذِينَ مَعَهُۥٓ أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلۡكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيۡنَهُمۡۖ تَرَىٰهُمۡ رُكَّعٗا سُجَّدٗا يَبۡتَغُونَ فَضۡلٗا مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضۡوَٰنٗاۖ سِيمَاهُمۡ فِي وُجُوهِهِم مِّنۡ أَثَرِ ٱلسُّجُودِۚ ذَٰلِكَ مَثَلُهُمۡ فِي ٱلتَّوۡرَىٰةِۚ وَمَثَلُهُمۡ فِي ٱلۡإِنجِيلِ كَزَرۡعٍ أَخۡرَجَ شَطۡـَٔهُۥ فَـَٔازَرَهُۥ فَٱسۡتَغۡلَظَ فَٱسۡتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِۦ يُعۡجِبُ ٱلزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ ٱلۡكُفَّارَۗ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ مِنۡهُم مَّغۡفِرَةٗ وَأَجۡرًا عَظِيمَۢا} (29)

{ والذين معه } يعني : جميع أصحابه وقيل : من شهد معه الحديبية وإعراب الذين معطوف على محمد رسول الله صفته وأشداء خبر عن الجميع ، وقيل : الذين معه مبتدأ وأشداء خبره ورسول الله خبر محمد ورجح ابن عطية هذا والأول عندي أرجح لأن الوصف بالشدة والرحمة يشمل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، وأما على ما اختاره ابن عطية فيكون الوصف بالشدة والرحمة مختصا بالصحابة دون النبي صلى الله عليه وسلم وما أحق النبي صلى الله عليه وسلم بالوصف بذلك لأن الله قال فيه : { بالمؤمنين رءوف رحيم } [ التوبة : 128 ] ، وقال : { جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم } [ التوبة : 73 ] فهذه هي الشدة على الكفار والرحمة بالمؤمنين { سيماهم في وجوههم } السيما العلامة وفيه ستة أقوال :

الأول : أنه الأثر الذي يحدث في جبهة المصلي من كثرة السجود .

الثاني : أنه أثر التراب في الوجه .

الثالث : أنه صفرة الوجه من السهر والعبادة .

الرابع : حسن الوجه لما ورد في الحديث : " من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار " . وهذا الحديث غير صحيح بل وقع فيه غلط من الراوي فرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو غير مروي عنه .

الخامس : أنه الخشوع .

السادس : أن ذلك يكون في الآخرة يجعل الله لهم نورا من أثر السجود كما يجعل غرة من أثر الوضوء وهذا بعيد لأن قوله : { تراهم ركعا سجدا } وصف حالهم في الدنيا فكيف يكون سيماهم في وجوههم كذلك ، والأول أظهر ، وقد كان بوجه علي بن الحسن بن علي بن أبي طالب وعلي بن عبد الله بن العباس أثر ظاهر من أثر السجود .

{ ذلك مثلهم في التوراة } أي : وصفهم فيها وتم الكلام هنا ، ثم ابتدأ قوله و{ مثلهم في الإنجيل } ، كزرع ، وقيل : إن { مثلهم في الإنجيل } عطف على { مثلهم في التوراة } ثم ابتدأ قوله : { كزرع } وتقديره : هم كزرع ، والأول أظهر ، ليكون وصفهم في التوراة بما تقدم من الأوصاف الحسان وتمثيلهم في الإنجيل بالزرع المذكور بعد ذلك وعلى هذا يكون مثلهم في الإنجيل بمعنى التشبيه والتمثيل وعلى القول الآخر يكون المثل بمعنى الوصف كمثلهم في التوراة .

{ كزرع أخرج شطأه } هذا مثل ضربه الله للإسلام حيث بدأ ضعيفا ، ثم قوي وظهر ، وقيل : الزرع مثل للنبي صلى الله عليه وسلم لأنه بعث وحده وكان كالزرع حبة واحدة ، ثم كثر المسلمون فهم كالشطأ وهو فراخ السنبلة التي تنبت حول الأصل ، ويقال : بإسكان الطاء وفتحها بمد وبدون مد وهي لغات .

{ فآزره } أي : قواه وهو من المؤازرة بمعنى المعاونة ويحتمل أن يكون الفاعل الزرع والمفعول شطأه أو بالعكس لأن كل واحد منهما يقوي الآخر ، وقيل : معناه ساواه طولا فالفاعل على هذا الشطأ ووزن آزره فاعله ، وقيل : أفعله ، وقرئ بقصر الهمزة على وزن فعل .

{ فاستغلظ } أي : صار غليظا .

{ فاستوى على سوقه } جمع ساق أي : قام الزرع على سوقه ، وقيل : قوله : { كزرع } يعني : النبي صلى الله عليه وسلم أخرج شطأه بأبي بكر فآزره بعمر فاستغلظ بعثمان فاستوى على سوقه بعلي بن أبي طالب .

{ ليغيظ بهم الكفار } تعليل لما دل عليه المثل المتقدم من قوة المسلمين فهو يتعلق بفعل يدل عليه الكلام تقديره جعلهم الله كذلك ليغيظ بهم الكفار ، وقيل : يتعلق بوعد وهو بعيد { منهم } لبيان الجنس لا للتبعيض لأنه وعد عم جميعهم رضي الله عنهم .