قوله : { مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ } : يجوزُ أَنْ يكونَ خبرَ مبتدأ مضمرٍ ، لأنه لَمَّا تقدَّمَ : { هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ } دَلَّ على ذلك المقدَّرِ أي : هو أي : الرسولُ بالهدى محمدٌ ، و " رسولُ " بدلٌ أو بيانٌ أو نعتٌ ، وأن يكونَ مبتدأً أو خبراً ، وأن يكونَ مبتدأً و " رسولُ اللَّهِ " على ما تقدَّم من البدلِ والبيانِ والنعتِ . و " الذين معه " عطفٌ على " محمدٌ " والخبرُ عنهم قوله : { أَشِدَّآءُ عَلَى الْكُفَّارِ } . وابن عامر في روايةٍ " رسولَ الله " بالنصبِ على الاختصاصِ ، وهي تؤيِّدُ كونَه تابعاً لا خبراً حالةَ الرفعِ . ويجوزُ أَنْ يكونَ " والذين " على هذا الوجه مجروراً عطفاً على الجلالة أي : ورسولُ الذين آمنوا معه ؛ لأنه لَمَّا أُرْسِل إليهم أُضيف إليهم فهو رسولُ اللَّهِ بمعنى : أنَّ اللَّهَ أرسله ، ورسولُ أمتِه بمعنى : أنه مُرْسَلٌ إليهم ، ويكون " أشدَّاءُ " حينئذٍ خبرَ مبتدأ مضمر أي : هم أشدَّاء . ويجوزُ أَنْ يكونَ تَمَّ الكلام على " رسولُ الله " و " الذين معه " مبتدأٌ و " أشدَّاءُ " خبره .
وقرأ الحسن " أشداءَ ، رحماءَ " بالنصبِ : إمَّا على المدحِ ، وإمَّا على الحال من الضميرِ المستكنِّ في " معه " لوقوعِه صلةً ، والخبرُ حينئذٍ عن المبتدأ .
قوله : { تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً } حالان ؛ لأنَّ الرؤيةَ بَصَرِيَّةٌ ، وكذلك " يَبْتَغُون " يجوزُ أَنْ يكونَ مستأنفاً ، وإذا كانَتْ حالاً فيجوزُ أَنْ تكونَ حالاً ثالثةً مِنْ مفعول " تَراهم " وأن تكونَ من الضمير المستترِ في " رُكَّعاً سجداً " . وجَوَّز أبو البقاء أَنْ يكونَ " سُجَّداً " حالاً مِنَ الضمير في " رُكَّعاً " حالاً مقدرة . فعلى هذا يكونُ " يَبْتَغون " حالاً من الضميرِ في " سُجَّداً " فتكونُ حالاً مِنْ حال ، وتلك الحالُ الأولى حالٌ مِنْ حال أخرى .
وقرأ ابن يعمر " أَشِدَّا " بالقصرِ ، والقصرُ مِنْ ضرائر الأشعار كقوله :
4081 لا بدَّ مِنْ صَنْعا وإنْ طالَ السَّفرْ ***
فلذلك كانَتْ شاذَّةً . قال الشيخ : " وقرأ عمرو بن عبيد " ورُضوانا " بضم الراء " . قلت : هذه قراءةٌ متواترةٌ قرأها عاصمٌ في روايةِ أبي بكرٍ عنه قَدَّمْتها في سورة آل عمران ، واستثنيتُ له حرفاً واحداً وهو ثاني المائدة .
وقُرِئ " سِيْمِياؤهم " بياء بعد الميمِ والمدِّ ، وهي لغةٌ فصيحةٌ وأُنْشِد :
4082 غلامٌ رَماه اللَّهُ بالحُسْن يافعاً *** له سِيْمِياءُ لا تَشُقُّ على البصَرْ
وتقدَّم الكلامُ عليها وعلى اشتقاقِها في آخر البقرة . و " في وجوههِم " خبرُ " سِيماهم " .
قوله : { مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ } حال من الضمير المستتر في الجارِّ ، وهو " في وجوههم " .
والعامَّةُ " مِنْ أَثَرِ " بفتحتين ، وابن هرمز بكسرٍ وسكون ، وقتادة " مِنْ آثارَ " جمعاً .
قوله : " ذلك مَثَلُهم " " ذلك " إشارةٌ إلى ما تقدَّم من وَصْفِهم بكونهم أَشِدَّاءَ رُحَماءَ لهم سِيما في وجوههم ، وهو مبتدأ خبرُه " مَثَلُهم " و " في التوراة " حالٌ مِنْ مَثَلُهم " والعاملُ معنى الإِشارة .
قوله : { وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنجِيلِ } يجوزُ فيه وجهان ، أحدُهما : أنَّه مبتدأٌ وخبرُه " كزَرْعٍ " فيُوقَفُ على قولِه : " في التوراة " فهما مَثَلان . وإليه ذهب ابن عباس . والثاني : أنه معطوفٌ على " مَثَلُهم " الأولِ ، فيكونُ مَثَلاً/ واحداً في الكتابَيْن ، ويُوْقَفُ حينئذٍ على " الإِنجيل " وإليه نحا مجاهدٌ والفراء ، ويكون قولُه على هذا : " كزَرْع " فيه أوجهٌ ، أحدها : أنه خبرُ مبتدأ مضمرٍ أي : مَثَلُهم كزَرْعٍ ، فَسَّر بها المثل المذكور . الثاني : أنه حالٌ من الضمير في " مَثَلُهم " أي : مُماثِلين زَرْعاً هذه صفتُه . الثالث : أنها نعتُ مصدرٍ محذوفٍ أي : تمثيلاً كزرع ، ذكره أبو البقاء . وليس بذاك . وقال الزمخشريُّ : " ويجوزُ أَنْ يكونَ " ذلك " إشارةً مُبْهَمَةً أُوْضِحَتْ بقولِه : " كَزَرْع " كقوله : { وَقَضَيْنَآ إِلَيْهِ ذَلِكَ الأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ } " .
قوله : " أَخْرَجَ شَطْأَه " صفةٌ لزرع . وقرأ ابن كثير وابن ذكوان بفتح الطاء ، والباقون بإسكانها ، وهما لغتان . وفي الحرف لغاتٌ أخرى قُرِئَ بها في الشاذِّ : فقرأ أبو حيوةَ " شَطاءَه " بالمدِّ ، وزيد بن علي " شَطاه " بألفٍ صريحةٍ بعد الطاءِ ، فاحتملَتْ أَنْ تكونَ بدلاً من الهمزةِ بعد نقلِ حركتِها إلى الساكنِ قبلَها على لغةِ مَنْ يقولُ : المَراةُ والكَماةُ بعد النقلِ ، وهو مقيسٌ عند الكوفيين ، واحتملَ أَنْ يكونَ مقصوراً من الممدود . وأبو جعفر ونافعٌ في روايةٍ " شَطَه " بالنقل والحَذْفِ وهو القياسُ . والجحدري " شَطْوَه " أبدل الهمزة واواً ، إذ تكونُ لغةً مستقلةً . وهذه كلُّها لغاتٌ في فراخِ الزَّرْع . يقال : شَطَأَ الزَّرْعُ وأَشْطَأ أي : أخرجَ فِراخَه . وهل يختصُّ ذلك بالحِنْطة فقط ، أو بها وبالشعيرِ فقط ، أو لا يختصُّ ؟ خلاف مشهور قال :
4083 أَخْرج الشَّطْءَ على وجهِ الثَّرى *** ومنَ الأشجارِ أفنانَ الثمرْ
قوله : " فآزَرَه " العامَّةُ على المدِّ وهو على أَفْعَل . وغَلَّطوا مَنْ قال : إنه فاعَلَ كمجاهدٍ وغيرِه بأنَّه لم يُسْمَعْ في مضارِعه يُؤَازِرُ بل يُؤْزِرُ . وقرأ ابن ذكوان " فَأَزَره " مقصوراً جعله ثلاثياً . وقُرِئ " فأَزَّرَه " بالتشديدِ والمعنى في الكلِّ : قَوَّاه .
4084 بمَحْنِيَةٍ قد آزَرَ الضالُّ نَبْتَها *** مَجَرَّ جُيُوشٍ غانِميْنَ وخُيَّبِ
قوله : " على سُوْقِه " متعلِّقٌ ب " اسْتوى " ، ويجوزُ أَنْ يكونَ حالاً أي : كائناً على سُوْقِه أي : قائماً عليها . وقد تقدَّم في النمل أن قنبلاً يقرأ " سُؤْقِه " بالهمزةِ الساكنة كقولِه :
4085 أحَبُّ المُؤْقِدين إليَّ موسى *** . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وبهمزةٍ مضمومةٍ بعدها واوٌ كقُرُوْح ، وتوجيهُ ذلك . والسُّوْق : جمع ساق .
قوله : " يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ " حالٌ أي : مُعْجِباً ، وهنا تَمَّ المَثَلُ .
قوله : " ليَغيظَ " فيه أوجهٌ ، أحدُها : أنه متعلِّقٌ ب " وَعَدَ " ؛ لأنَّ الكفارَ إذا سَمِعوا بعِزِّ المؤمنين في الدنيا وما أُعِدَّ لهم في الآخرة غاظَهم ذلك . الثاني : أَنْ يتعلَّق بمحذوفٍ دَلَّ عليه تشبيهُهم بالزَّرْعِ في نَمائِهم وتَقْويتِهم . قاله الزمخشري أي : شَبَّههم اللَّهُ بذلك ليَغيظَ . الثالث : أنه متعلِّقٌ بما دَلَّ عليه قولُه : { أَشِدَّآءُ عَلَى الْكُفَّارِ } إلى آخره أي : جعلهم بهذه الصفاتِ ليَغيظَ .
قوله : " مِنْهم " " مِنْ " هذه للبيانِ لا للتبعيضِ ؛ لأنَّ كلَّهم كذلك فهي كقولِه : { فَاجْتَنِبُواْ الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ } [ الحج : 30 ] . وقال الطبري : " منهم أي : من الشَّطْء الذي أخرجه الزرعُ ، وهم الداخلون في الإِسلامِ إلى يومِ القيامة " ، فأعاد الضميرَ على معنى الشَّطْءِ ، لا على لفظِه ، وهو معنى حسنٌ .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.