التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي  
{مُّحَمَّدٞ رَّسُولُ ٱللَّهِۚ وَٱلَّذِينَ مَعَهُۥٓ أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلۡكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيۡنَهُمۡۖ تَرَىٰهُمۡ رُكَّعٗا سُجَّدٗا يَبۡتَغُونَ فَضۡلٗا مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضۡوَٰنٗاۖ سِيمَاهُمۡ فِي وُجُوهِهِم مِّنۡ أَثَرِ ٱلسُّجُودِۚ ذَٰلِكَ مَثَلُهُمۡ فِي ٱلتَّوۡرَىٰةِۚ وَمَثَلُهُمۡ فِي ٱلۡإِنجِيلِ كَزَرۡعٍ أَخۡرَجَ شَطۡـَٔهُۥ فَـَٔازَرَهُۥ فَٱسۡتَغۡلَظَ فَٱسۡتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِۦ يُعۡجِبُ ٱلزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ ٱلۡكُفَّارَۗ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ مِنۡهُم مَّغۡفِرَةٗ وَأَجۡرًا عَظِيمَۢا} (29)

{ والذين معه } يعني : جميع أصحابه وقيل : من شهد معه الحديبية وإعراب الذين معطوف على محمد رسول الله صفته وأشداء خبر عن الجميع ، وقيل : الذين معه مبتدأ وأشداء خبره ورسول الله خبر محمد ورجح ابن عطية هذا والأول عندي أرجح لأن الوصف بالشدة والرحمة يشمل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، وأما على ما اختاره ابن عطية فيكون الوصف بالشدة والرحمة مختصا بالصحابة دون النبي صلى الله عليه وسلم وما أحق النبي صلى الله عليه وسلم بالوصف بذلك لأن الله قال فيه : { بالمؤمنين رءوف رحيم } [ التوبة : 128 ] ، وقال : { جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم } [ التوبة : 73 ] فهذه هي الشدة على الكفار والرحمة بالمؤمنين { سيماهم في وجوههم } السيما العلامة وفيه ستة أقوال :

الأول : أنه الأثر الذي يحدث في جبهة المصلي من كثرة السجود .

الثاني : أنه أثر التراب في الوجه .

الثالث : أنه صفرة الوجه من السهر والعبادة .

الرابع : حسن الوجه لما ورد في الحديث : " من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار " . وهذا الحديث غير صحيح بل وقع فيه غلط من الراوي فرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو غير مروي عنه .

الخامس : أنه الخشوع .

السادس : أن ذلك يكون في الآخرة يجعل الله لهم نورا من أثر السجود كما يجعل غرة من أثر الوضوء وهذا بعيد لأن قوله : { تراهم ركعا سجدا } وصف حالهم في الدنيا فكيف يكون سيماهم في وجوههم كذلك ، والأول أظهر ، وقد كان بوجه علي بن الحسن بن علي بن أبي طالب وعلي بن عبد الله بن العباس أثر ظاهر من أثر السجود .

{ ذلك مثلهم في التوراة } أي : وصفهم فيها وتم الكلام هنا ، ثم ابتدأ قوله و{ مثلهم في الإنجيل } ، كزرع ، وقيل : إن { مثلهم في الإنجيل } عطف على { مثلهم في التوراة } ثم ابتدأ قوله : { كزرع } وتقديره : هم كزرع ، والأول أظهر ، ليكون وصفهم في التوراة بما تقدم من الأوصاف الحسان وتمثيلهم في الإنجيل بالزرع المذكور بعد ذلك وعلى هذا يكون مثلهم في الإنجيل بمعنى التشبيه والتمثيل وعلى القول الآخر يكون المثل بمعنى الوصف كمثلهم في التوراة .

{ كزرع أخرج شطأه } هذا مثل ضربه الله للإسلام حيث بدأ ضعيفا ، ثم قوي وظهر ، وقيل : الزرع مثل للنبي صلى الله عليه وسلم لأنه بعث وحده وكان كالزرع حبة واحدة ، ثم كثر المسلمون فهم كالشطأ وهو فراخ السنبلة التي تنبت حول الأصل ، ويقال : بإسكان الطاء وفتحها بمد وبدون مد وهي لغات .

{ فآزره } أي : قواه وهو من المؤازرة بمعنى المعاونة ويحتمل أن يكون الفاعل الزرع والمفعول شطأه أو بالعكس لأن كل واحد منهما يقوي الآخر ، وقيل : معناه ساواه طولا فالفاعل على هذا الشطأ ووزن آزره فاعله ، وقيل : أفعله ، وقرئ بقصر الهمزة على وزن فعل .

{ فاستغلظ } أي : صار غليظا .

{ فاستوى على سوقه } جمع ساق أي : قام الزرع على سوقه ، وقيل : قوله : { كزرع } يعني : النبي صلى الله عليه وسلم أخرج شطأه بأبي بكر فآزره بعمر فاستغلظ بعثمان فاستوى على سوقه بعلي بن أبي طالب .

{ ليغيظ بهم الكفار } تعليل لما دل عليه المثل المتقدم من قوة المسلمين فهو يتعلق بفعل يدل عليه الكلام تقديره جعلهم الله كذلك ليغيظ بهم الكفار ، وقيل : يتعلق بوعد وهو بعيد { منهم } لبيان الجنس لا للتبعيض لأنه وعد عم جميعهم رضي الله عنهم .