بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{مُّحَمَّدٞ رَّسُولُ ٱللَّهِۚ وَٱلَّذِينَ مَعَهُۥٓ أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلۡكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيۡنَهُمۡۖ تَرَىٰهُمۡ رُكَّعٗا سُجَّدٗا يَبۡتَغُونَ فَضۡلٗا مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضۡوَٰنٗاۖ سِيمَاهُمۡ فِي وُجُوهِهِم مِّنۡ أَثَرِ ٱلسُّجُودِۚ ذَٰلِكَ مَثَلُهُمۡ فِي ٱلتَّوۡرَىٰةِۚ وَمَثَلُهُمۡ فِي ٱلۡإِنجِيلِ كَزَرۡعٍ أَخۡرَجَ شَطۡـَٔهُۥ فَـَٔازَرَهُۥ فَٱسۡتَغۡلَظَ فَٱسۡتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِۦ يُعۡجِبُ ٱلزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ ٱلۡكُفَّارَۗ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ مِنۡهُم مَّغۡفِرَةٗ وَأَجۡرًا عَظِيمَۢا} (29)

قال عز وجل : { مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ الله والذين مَعَهُ } من المؤمنين { أَشِدَّاء عَلَى الكفار } بالغلظة { رُحَمَاء بَيْنَهُمْ } يعني : متوادّين فيما بينهم { تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً } يعني : يكثرون الصلاة { يَبْتَغُونَ فَضْلاً مّنَ الله وَرِضْوَاناً } يعني : يلتمسون من الحلال .

وقال بعضهم : { والذين مَعَهُ } يعني : أبا بكر { أَشِدَّاء عَلَى الكفار } يعني : عمر { رُحَمَاء بَيْنَهُمْ } يعني : عثمان { تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً } يعني : عليّاً رضوان الله عليهم أجمعين { يَبْتَغُونَ فَضْلاً مّنَ الله وَرِضْوَاناً } يعني : الزبير ، وعبد الرحمن بن عوف { سيماهم في وُجُوهِهِمْ } يعني : علاماتهم ، وهي الصفرة في وجوههم { مّنْ أَثَرِ السجود } يعني : من السهر بالليل . ويقال : يعرفون غُرّاً محجلين يوم القيامة ، من أثر الوضوء . وقال مجاهد : { سيماهم في وُجُوهِهِمْ } قال : الخشوع ، والوقار . وقال منصور : قلت لمجاهد : أهذا الذي يكون بين عيني الرجل ؟ قال : إن ذلك قد يكون للرجل ، وهو أقسى قلباً من فرعون .

ثم قال : { ذَلِكَ مَثَلُهُمْ في التوراة } يعني : هذا الذي ذكره من نعتهم ، وصفتهم في التوراة .

ثم ذكر نعتهم في الإنجيل فقال : { وَمَثَلُهُمْ في الإنجيل } يعني : مثل محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه { كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ } . روى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال : مثلهم في التوراة ، والإنجيل واحد . قال : { مَثَلُهُمْ في التوراة وَمَثَلُهُمْ في الإنجيل كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ } قرأ ابن كثير ، وابن عامر : { شَطْأَهُ } بنصب الشين ، والطاء . والباقون : بنصب الشين ، وجزم الطاء . ومعناهما واحد . وهو فراخ الزرع . وقال مجاهد : { شَطْأَهُ } يعني : قوائمه . قرأ ابن عامر : { فَأزَرَهُ } بغير مد . والباقون بالمد ومعناهما واحد . يعني : قواه . ومنه قوله عز وجل : { اشدد بِهِ أَزْرِي } [ طه : 31 ] يعني : أقوي به ظهري . ويقال : { كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ } يعني : سنبله { فَآزَرَهُ } يعني : أعانه وقواه . { فاستغلظ } يعني : غلظ الزرع ، واستوى . { فاستوى على سُوقِهِ } وهو جماعة الساق { يُعْجِبُ الزراع } يعني : الزارع إذا نظر في زرعه بعدما استغلظ ، واستوى ، يعجبه ذلك . فكذلك النبي صلى الله عليه وسلم ، تبعه أبو بكر ، ثم تبعه عمر ، ثم تبعه واحد بعد واحد من أصحابه ، حتى كثروا ففرح النبي صلى الله عليه وسلم بذلك لكثرتهم .

{ لِيَغِيظَ بِهِمُ الكفار } يعني : أهل مكة يكرهون ذلك لما رأوا من كثرة المسلمين ، وقوتهم . وروى خيثمة عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه كان يقرئهم القرآن في المسجد ، فأتى على هذه الآية : { كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ } فقال : أنتم الزرع ، وقد دنا حصادكم . ويقال : { كَزَرْعٍ } يعني : محمداً صلى الله عليه وسلم . { أَخْرَجَ شَطْأَهُ } يعني : أبا بكر { فَآزَرَهُ } يعني : أعانه عمر على كفار مكة { فاستغلظ } يعني : تقوى بنفقة عثمان { فاستوى على سُوقِهِ } يعني : قام على أمره علي بن أبي طالب يعينه ، وينصره على أعدائه . { يُعْجِبُ الزراع لِيَغِيظَ بِهِمُ الكفار } يعني طلحة ، والزبير . وكان الكفار يكرهون إيمان طلحة والزبير لشدة قوتهما ، وكثرة أموالهما .

{ وَعَدَ الله الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات مِنْهُم } يعني : لهم . ويقال : فيما بينهم ، وبين ربهم . ويقال : مِنْ هاهنا لإبانة الجنس . يعني : { وَعَدَ الله الذين ءآمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات مِنْهُم } أي : من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم { مَغْفِرَةٍ } لذنوبهم { وَأَجْراً عَظِيماً } يعني : ثواباً وافراً في الجنة . روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : «مَنْ قَرَأَ سُوَرَةَ الفَتْحِ فَكَأنَّمَا شَهِدَ فَتْحَ مَكَّةَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم » . والله سبحانه أعلم .