لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{مُّحَمَّدٞ رَّسُولُ ٱللَّهِۚ وَٱلَّذِينَ مَعَهُۥٓ أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلۡكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيۡنَهُمۡۖ تَرَىٰهُمۡ رُكَّعٗا سُجَّدٗا يَبۡتَغُونَ فَضۡلٗا مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضۡوَٰنٗاۖ سِيمَاهُمۡ فِي وُجُوهِهِم مِّنۡ أَثَرِ ٱلسُّجُودِۚ ذَٰلِكَ مَثَلُهُمۡ فِي ٱلتَّوۡرَىٰةِۚ وَمَثَلُهُمۡ فِي ٱلۡإِنجِيلِ كَزَرۡعٍ أَخۡرَجَ شَطۡـَٔهُۥ فَـَٔازَرَهُۥ فَٱسۡتَغۡلَظَ فَٱسۡتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِۦ يُعۡجِبُ ٱلزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ ٱلۡكُفَّارَۗ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ مِنۡهُم مَّغۡفِرَةٗ وَأَجۡرًا عَظِيمَۢا} (29)

ثم قال تعالى : { محمد رسول الله } أي هو محمد رسول الله الذي سبق ذكره في قوله أرسل رسوله . قال ابن عباس : شهد له بالرسالة ثم ابتدأ فقال { والذين معه } يعني أصحابه المؤمنين { أشداء على الكفار } أي غلاظ أقوياء كالأَسَد على فريسته لا تأخذهم فيهم رأفة { رحماء بينهم } أي : متعاطفون متوادّون بعضهم لبعض كالولد مع الوالد . كما قال في حقهم : { أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين } { تراهم ركّعاً سجداً } أخبر عن كثرة صلاتهم ومداومتهم عليها { يبتغون } أي يطلبون { فضلاً من الله } يعني الجنة { ورضواناً } أي أن يرضى عنهم . وفيه لطيفة وهو أن المخلص بعمله لله يطلب أجره من الله تعالى والمرائي بعمله لا يبتغي له أجراً وذكر بعضهم في قوله : والذين معه يعني أبا بكر الصديق أشداء على الكفار عمر بن الخطاب رحماء بينهم عثمان بن عفان تراهما ركعاً سجداً علي بن أبي طالب يبتغون فضلاً من الله ورضواناً بقية الصحابة { سيماهم } أي علامتهم { في وجوههم من أثر السجود } واختلفوا في هذه السيما على قولين : أحدهما : أن المراد في يوم القيامة قيل : هي نور وبياض في وجوههم يعرفون به يوم القيامة أنهم سجدوا لله في الدنيا وهي رواية عن ابن عباس . وقيل : تكون مواضع السجود في وجوههم كالقمر ليلة البدر . وقيل : يبعثون غراً محجلين يوم القيامة يعرفون بذلك . والقول الثاني : إن ذلك في الدنيا وذلك أنهم استنارت وجوههم بالنهار من كثرة صلاتهم بالليل . وقيل : هو السمت الحسن والخشوع والتواضع .

قال ابن عباس : ليس بالذي ترون ولكنه سيما الإسلام وسجيته وسمته وخشوعه . والمعنى : أن السجود أورثهم الخشوع والسمت الحسن يعرفون به وقيل هو صفوة الوجه من سهر الليل ويعرف ذلك في رجلين أحدهما سهر الليل في الصلاة والعبادة والآخر في اللهو واللعب فإذا أصبحا ظهر الفرق بينهما فيظهر في وجه المصلي نور وضياء وعلى وجه اللاعب ظلمة . وقيل : هو أثر التراب على الجباه لأنهم كانوا يصلّون على التراب لا على الأثواب . قال عطاء الخراساني : دخل في هذه الآية كل من حافظ على الصلوات الخمس { ذلك مثلهم في التوراة } يعني ذلك الذي ذكر صفتهم في التوراة وتم الكلام هاهنا ثم ابتدأ بذكر نعتهم وصفتهم في الإنجيل فقال تعالى : { ومثلهم } أي صفتهم { في الإنجيل كزرع أخرج شطأه } أي إفراطه قبل فراخه . قيل : هو نبت فما خرج بعده شطؤه { فآزره } أي : قوّاه وأعانه وشد أزره { فاستغلظ } أي غلظ ذلك الزرع وقوي { فاستوى } أي تم وتلاحق نباته وقام { على سوقه } جمع ساق أي على أصوله { يعجب الزراع } أي يعجب ذلك الزرع زراعه وهو مثل ضربه الله عز وجل لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم مكتوب في الإنجيل أنهم يكونون قليلاً ثم يزدادون ويكثرون قال قتادة : مثل أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم مكتوب في الإنجيل أنه سيخرج قوم ينبتون نبات الزرع يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ، قيل الزرع محمد صلى الله عليه وسلم والشطء أصحابه والمؤمنون وقيل : الزرع هو محمد صلى الله عليه وسلم شطأه أبو بكر فآزره عمر فاستغلظ عثمان فاستوى على سوقه علي بن أبي طالب يعجب الزراع يعني جميع المؤمنين { ليغيظ بهم الكفار } قيل : هو قول عمر بن الخطاب لأهل مكة بعد ما أسلم لا يبعد الله سراً بعد اليوم . وقيل : قوتهم وكثرتهم ليغيظ بهم الكفار . قال مالك بن أنس : من أصبح وفي قلبه غيظ على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد أصابته هذه الآية .

( فصل في فضل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم )

( ق )عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : «قال خير الناس قرني ثم الذين يلونهم » ( م ) .

عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : «سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم أي الناس خير ؟ قال : القرن الذي أنا فيه ثم الثاني ثم الثالث » . قوله : خير الناس قرني ثم الذين يلونهم يعني الصحابة ثم التابعين وتابعيهم والقرن كل أهل زمان قيل هو أربعون سنة وقيل ثمانون وقيل مائة سنة عن عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «أبو بكر في الجنة وعمر بن الخطاب في الجنة وعثمان بن عفان في الجنة وعلي بن أبي طالب في الجنة وطلحة في الجنة والزبير في الجنة وعبد الرحمن بن عوف في الجنة وسعد بن أبي وقاص في الجنة وسعيد بن زيد في الجنة وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة » . أخرجه الترمذي .

وأخرج عن سعيد بن زيد نحوه وقال : هذا أصح من الحديث الأول عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أرحم أمتي بأمتي أبو بكر وأشدهم في أمر الله عمر وأشدهم حياء عثمان وأقضاهم علي وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل وأفرضهم زيد بن ثابت وأقرؤهم أبي بن كعب ولكل قوم أمين وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح وما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء أصدق لهجة من أبي ذر أشبه عيسى في ورعه قال عمر فنعرف له ذلك يا رسول الله ؟ قال نعم » أخرجه الترمذي مفرقاً في موضعين ، أحدهما : إلى قوله أبو عبيدة بن الجراح ، والآخر إلى أبي ذر ( خ ) .

عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صعد أحداً أبو بكر وعمر وعثمان فرجف بهم فقال : «اثبت أحد أراه ضربه برجله فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان » .

عن ابن مسعود : «عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : اقتدوا بالذين بعدي من أصحابي أبي بكر وعمر واهتدوا بهدى عثمان وتمسكوا بعهد عبد الله بن مسعود » أخرجه الترمذي وقال حديث غريب . ( ق )عن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه في جيش ذات السلاسل قال : فأتيته فقلت : أي الناس أحب إليك ؟ قال «عائشة فقلت من الرجال قال أبوها قلت ثم من ؟ قال ثم عمر بن الخطاب فعد رجالاً » عن علي بن أبي طالب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «رحم الله أبا بكر زوجني ابنته وحملني إلى دار الهجرة وصحبني في الغار وأعتق بلالاً من ماله رحم الله عمراً ليقولن الحق وإن كان مراً تركه الحق وما له من صديق . رحم الله عثمان تستحي منه الملائكة ، رحم الله علياً اللهم أدر الحق معه حيث دار » أخرجه الترمذي وقال حديث غريب . ( م )عن زر بن حبيش قال : سمعت علياً يقول : والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنه لعهد النبي الأمي إلي أنه لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق . عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما من أحد يموت من أصحابي بأرض إلا بعثه الله قائداً ونوراً لهم يوم القيامة » أخرجه الترمذي وقال حديث غريب وقد روي عن أبي بريدة مرسلاً وهو أصح . ( ق )عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه » وعن أبي هريرة نحوه أخرجه مسلم عن عبد الله بن مغفل المزني قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «الله الله في أصحابي لا تتخذوهم غرضاً من بعدي فمن أحبهم فبحبي أحبهم ومن أبغضهم فبغضبي أبغضهم ومن آذاهم فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله فيوشك أن يأخذه » . أخرجه الترمذي وقال : حديث غريب .

قوله تعالى : { وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم } لفظة من في قوله منهم لبيان الجنس لا للتبعيض . كقوله : فاجتنبوا الرجس من الأوثان ، فيكون معنى الآية وعد الله الذين آمنوا من جنس الصحابة . وقال ابن جرير : يعني من الشطء الذي أخرجه الزرع وهم الداخلون في الإسلام إلى يوم القيامة ورد الهاء والميم على معنى الشطء لا على لفظه ولذلك لم يقل منه { مغفرة وأجراً عظيماً } يعني الجنة . وقيل : إن المغفرة جزاء الإيمان فإن لكل مؤمن مغفرة والأجر العظيم جزاء العمل الصالح والله تعالى أعلم بمراده .