اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{مُّحَمَّدٞ رَّسُولُ ٱللَّهِۚ وَٱلَّذِينَ مَعَهُۥٓ أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلۡكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيۡنَهُمۡۖ تَرَىٰهُمۡ رُكَّعٗا سُجَّدٗا يَبۡتَغُونَ فَضۡلٗا مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضۡوَٰنٗاۖ سِيمَاهُمۡ فِي وُجُوهِهِم مِّنۡ أَثَرِ ٱلسُّجُودِۚ ذَٰلِكَ مَثَلُهُمۡ فِي ٱلتَّوۡرَىٰةِۚ وَمَثَلُهُمۡ فِي ٱلۡإِنجِيلِ كَزَرۡعٍ أَخۡرَجَ شَطۡـَٔهُۥ فَـَٔازَرَهُۥ فَٱسۡتَغۡلَظَ فَٱسۡتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِۦ يُعۡجِبُ ٱلزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ ٱلۡكُفَّارَۗ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ مِنۡهُم مَّغۡفِرَةٗ وَأَجۡرًا عَظِيمَۢا} (29)

قوله : { مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ الله } يجوز أن يكون خبر مبتدأ مضمر ؛ لأنه لما تقدم «هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُوله » دل على ذلك المقدر ، أي هو أي الرسول بالهُدَى محمد و«رسول الله » بدل أو بيان ، أو نعت . وأن يكون مبتدأ وخبراً ، وأن يكون مبتدأ و «رسول الله » على ما تقدم من البيان والبدل ، والنعت «والذين معه » عطف على محمد والخبر «عَنْهم »{[51866]} .

قوله : { أَشِدَّآءُ عَلَى الكفار } ( قال{[51867]} ابن الخطيب : كأنه قال{[51868]} : «والذين معه » جميعهم { أشداء الكفار رحماء بينهم } لأن وصف الشدة والرحمة وجد في جميعهم ، أما في المؤمنين فقوله تعالى : { أَذِلَّةٍ عَلَى المؤمنين أَعِزَّةٍ عَلَى الكافرين } [ المائدة : 54 ] وأما في حق النبي عليه الصلاة والسلام فقوله تعالى : { واغلظ عَلَيْهِمْ } [ التوبة : 73 ] . وقال في حقه : { بالمؤمنين رَءُوفٌ رَّحِيمٌ } [ التوبة : 128 ] .

وعلى هذا فقوله : «تَرَاهُمْ » لا يكون خطاباً مع النبي عليه الصلاة والسلام بل يكون عاماً خرج مَخْرَج الخطاب تقديره تراهم أيها السامع كائناً من كان ){[51869]} . وقرأ ابن عامر في رواية : رَسُولَ اللهِ بالنصب على الاختصاص{[51870]} وهي تؤيد كونه تابعاً لا خبراً حالة الرفع .

ويجوز أن يكون «وَالَّذِينَ مَعَهُ » على هذا الوجه مجروراً عطفاً على الجلالة أي ورسول الذين آمنوا معه لأنه لما أرسل إليهم أضيف إليهم فهو رسول الله بمعنى أن الله أرسله ورسول أمته بمعنى أنه مرسل إليهم ويكون «أشداء » حينئذ خبر مبتدأ مضمر أي هُمْ أَشِدَّاءُ . ويجوز أن يكون تَمَّ الكلامُ على «رَسُول اللهِ » و«الَّذين مَعَهُ » و«أشِدَّاء » خبره . وقرأ الحسن : أشِدَّاءَ رُحَمَاءَ{[51871]} بالنصب إما على المَدْح وإمَّا على الحال من الضمير المستكِنّ في «مَعَهُ » ؛ لوقوعه صلة ، والخبر حينئذ عن المبتدأ قوله «تَرَاهُمْ ركعاً » و«رُكَّعاً سُجَّداً » حالان ؛ لأن الرؤية بصرية ، وكذلك «يَبتَغُونَ »{[51872]} . ويجوز أن يكون مستأنفاً{[51873]} . وإذا كان حالا فيجوز أن تكون حالاً ثالثة من مفعول «تَرَاهُمْ » وأن تكون من الضمير المستتر في «رُكَّعاً سُجَّداً » . وجوز أبو البقاء أن يكون «سُجَّدا » حالاً من الضمير في «رُكَّعاً » حالاً مقدرةً . فعلى هذا يكون «يَبْتَغُونَ » حالاً من الضمير «سُجَّدا » ، فيكون حالاً من حال ، وتلك الحال الأولى حالٌ من حالٍ أخرى{[51874]} . وقرأ ابن يَعْمُرَ{[51875]} أَشِدًّا{[51876]} بالقصر والقَصْرُ من ضرائر الأشعار كقوله :

4497 لاَ بُدَّ مِنْ صَنْعَا وإنْ طَالَ السَّفَرْ *** . . . . . . . . . . . . . . {[51877]}

فلذلك كانت شاذة . وقال أبو حيان : وقرأ عمرو بن عبيد : ورُضْوَاناً بضم الرءا{[51878]} قال شهاب الدين : وهذه قرءاة متواترة{[51879]} ، قرأ بها عاصمٌ في رواية أبي بكر عنهُ ، وتقدمت في سورة آل عمران{[51880]} واستثنيت له حرفاً واحداً وهو ثاني المائدة{[51881]} .

فصل

معنى الآية : { أَشِدَّآءُ عَلَى الكفار } أي غِلاظٌ عليهم كالأسد على فريسته ، لا تأخذهم فيهم رأفة «رُحَمَاءُ بينهم » متعاطفون متوادُّون بعضهم لبعض كالوالد مع الوَلَد كقوله تعالى : { أَذِلَّةٍ عَلَى المؤمنين أَعِزَّةٍ عَلَى الكافرين } [ المائدة : 54 ] و { تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً } خبر عن كثرة صلاتهم ومداومتهم عليها { يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ الله } ، أن يدخلهم الجنة «وَرِضْوَاناً » أي يرضى عنهم . وهذا تمييز لركوعهم وسجودهم عن ركوع الكافر وسجوده وركوع المرائي وسجوده فإنه لا يبتغي به ذلك .

قوله : «سِيمَاهُمْ » قرئ سِيمياؤُهُمْ{[51882]} بياء بعد الميم والمد . وهي لغة فصيحة ، وأنشد ( رحمه الله عليه ){[51883]} :

4498 غُلاَمٌ رَمَاهُ اللهُ بالْحُسْنِ يَافِعاً *** لَهُ سِيمْيَاءُ لا تُشَقُّ عَلَى البَصَر{[51884]}

وتقدم الكلام عليها وعلى اشتاقها في آخر البقرة{[51885]} .

و«فِي وُجُوهِهِمْ » خبر «سِيمَاهُمْ » و{ مِّنْ أَثَرِ السجود } حال من الضمير المستتر في الجار وهو «في وُجُوهِهِمْ »{[51886]} . وقرأ العامة «مِن أَثْرِ » بفتحتين . وابن هرمُز بكسر وسكون{[51887]} . وقتادة «مِنْ آثار » جمعاً{[51888]} .

فصل

المعنى علامتهم في وجوههم من أثر السجود . قيل : المراد سيماهم نورٌ وبياضٌ في وجوههم يوم القيامة كما قال تعالى : { يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ } [ آل عمران : 106 ] . رواه عطيةُ العَوْفيُّ عن ابن عباس : وقال عطاء بن أبي رباح والربيع بن أنس : استنارة وجوههم من كَثْرَةِ صلاتهم . وقال شهر بن حوشب : تكون مواضع السجود من وجوههم كالقمر ليلة البدر . وروي الوالبيُّ عن ابن عباس : هو السَّمْتُ الحسن والخشوعُ والتواضع وهو قول مجاهد . والمعنى أن السجود أورثهم الخشوعَ والسَّمْتَ الحسن الذي يعرفون به . وقال الضحاك : صفرة الوجوه . وقال الحسن رضي الله عنه : إذا رأيتهم حسبتهم مرضى وما هم بمرضى . وقال سعيد بن جبير وعكرمة : هو أثر التراب على الجِبَاه . وقيل : المراد ما يظهر في الجباه بكثرة السجود{[51889]} .

قوله : «ذَلِكَ مَثَلُهْمْ » ، «ذلك » إشارة إلى ما تقدم من وصفهم بكونهم أشِدَّاءَ رُحَمَاءَ لهم سِيمَا في وجوههم وهو مبتدأ خبره «مَثَلُهُمْ » و «فِي التَّوْرَاةِ » حال من «مَثَلَهُمْ » والعامل معنى الإشارة .

قوله : { وَمَثَلُهُمْ فِي الإنجيل } يجوز فيه وجهان :

أحدهما أنه مبتدأ وخبره «كَزَرْعٍ » فيوقف على قوله : «فِي التَّوْرَاةِ » فهما مَثَلانِ .

وإليه ذهب أبن عباس ( رضي الله عنهما{[51890]} ) {[51891]} :

والثاني : أنه معطوف على «مَثَلُهُمْ » الأول فيكون مثلاً واحداً في الكتابين ويوقف حينئذ على : في الإنجِيلِ وإليه نحا مُجاهدٌ{[51892]} ، والفراء{[51893]} .

وعلى هذا يكون قوله «كَزَرْعٍ » فيه أوجه :

أحدهما : أنه خبر مبتدأ مضمر أي مثلهم كزرع فسر بها المثل المذكور .

الثاني : أنه حال من الضمير في «مَثَلُهُمْ » أي مُمَاثِلِينَ زَرْعاً هذِهِ صفَتُهُ .

الثالث : أنها نعت مصدر محذوف أي تمثيلاً كزرعٍ . ذكره أبو البقاء{[51894]} .

وقال الزمخشري : ويجوز أن يكون «ذلك » إشارة مبهمةً أوضحت بقوله : «كزرع » ، كقوله تعالى : { وَقَضَيْنَآ إِلَيْهِ ذَلِكَ الأمر أَنَّ دَابِرَ } [ الحجر : 66 ] .

قوله : { أَخْرَجَ شَطْأَهُ } صفة ل «زَرْع » . وقرأ ابنُ ذَكوَان{[51895]} بفتح الطاء والباقون بإسكانها . وهما لغتان كالنَّهْر والنَّهَر . وقرأ أبو حَيْوة : شَطَاءَهُ بالمد{[51896]} . وزيد بن على : شَطَاهُ{[51897]} بألف صريحة بعد الطاء فيحتمل أن تكون بدلاً من الهمزة بعد نقل حركتها إلى الساكن قبلها على لغة من يقول : المِرَاةُ والكَمَاةُ{[51898]} بعد النقل . وهو مقيسٌ عند الكوفيين{[51899]} . ويحتمل أن يكون مقصوراً من الممدود{[51900]} .

وأبو جعفر ونافع{[51901]} في رواية «شَطَهُ » بالنقل{[51902]} والحذف{[51903]} . وهو القياس{[51904]} . والجَحْدَريُّ شَطْوَهُ أبدل الهمزة واواً{[51905]} ، أو يكون لغة مستقلة . وهذه كلها لغات في فِرَاخ الزرع ، يقال : شَطَا الزرعُ وأَشْطَأ أي أخْرَجَ فِرَاخَهُ . وهل يختص ذلك بالحِنْطَةِ فقط أو بها وبالشعير فقط أو لا يختص ؟ خلافٌ مشهور{[51906]} . قال الشاعر :

4499 أَخْرَجَ الشَّطْءَ عَلَى وَجْهِ الثَّرَى *** وَمِنَ الأَشْجَارِ أفنانُ الثَّمَرْ{[51907]}

قوله : «فآزَرَهُ » العامة على المد وهون على «أَفْعَلَ »{[51908]} . وَغَلَّطوا من قال : إنه فاعل كَجَاهَرَ{[51909]} وغَيْرِه بأنه لم يسمع في مضارعه : يُؤَازِرُ على يؤزر{[51910]} . وقرأ ذكوان : فَأَزَرَه مَقصُوراً ، جعله ثلاثياً{[51911]} . وقرئ «فأزَّرَهُ » بالتشديد{[51912]} . والمعنى في الكل : قوّاه . وقيل : ساواه ، وأنشد :

4500 بِمَحْنِيَةٍ قَدْ آزَرَ الضَّال نَبْتُهَا *** مَجَرَّ جُيُوشٍ غَانِمِينَ وَخُيَّبِ{[51913]}

قوله : «عَلَى سُوقِهِ » متعلق ب «اسْتَوَى » . ويجوز أن يكون حالا أي كائنا على سوقه أي قائما عليها .

وقد تقدم في النمل{[51914]} أن قنبلا{[51915]} يقرأ سؤقه بالهمزة الساكنة{[51916]} . كقوله :

4501 أَحَبُّ المُؤْقِدِينَ إلَيَّ مُؤْسَى *** . . . . . . . . . . . . . . . . . {[51917]}

بهمزة مضمومة بعندها واو كعروج وتوجيه ذلك . والسُّوق جمع سَاقٍ .

( «فصل »{[51918]} .

قال المفسرون : يقال : أشطأ الزرع فهو مُشْطِئ إذا خَرَجَ . قال مقاتل : هو نبت واحد فإذا خرج بعده فهو شطء . وقال السُّديّ : هو أن يخرج معه الطاقة الأخرى «فَآزَرَهُ » قَوَّاهُ وأَعَانَهُ وشدَّ أزره «فَاسْتَغْلَظَ » غَلُظَ ذلك الزرع «فَاسْتَوَى » تَمَّ وَتَلاَحَقَ نَبَاتُهُ عَلَى سُوقِهِ أصوله : «يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ » أي أعجب ذلك زُرَّاعَهُ هذ مثل ضربهُ الله لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم في الإنجيل أنهم يكونون قَليلاً ثم يَزْدَادُونَ وَيكْثُرُونَ . قال قتادة : مَثَلُ أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم في الإنجيل مكتوب له سيخرج قومٌ يَنْبتُونَ نبات الزرع يأمُرون بالمعروف وينهوْن عن المنكر . وقيل : الزرع محمد صلى الله عليه وسلم والشطء أصحابه والمؤمنون . روى مبارك بن فُضَالة عن الحَسَن قال : محمد رسول الله والذين معه : أبو بكر الصديق { أَشِدَّآءُ عَلَى الكفار } عمر بن الخطاب { رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ } عثمان بن عفان { تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً } على بان أبي طالب «يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ رَبِّهِمْ » العشرة المبشرون «كَمَثَلِ زَرْعٍ » محمد { أَخْرَجَ شَطْأَهُ } أبو بكر { فَآزَرَهُ فاستغلظ } عثمان ( بن عفان ) يعني استغلظ عثمان بالإسلام { فاستوى على سُوقِهِ } علي بن أبي طالب استقام الإسلام بسيفه { يُعْجِبُ الزراع } قال : المؤمنون { لِيَغِيظَ بِهِمُ الكفار } فعل عمر لأهل مكة بعدما أسلم لا يُعبد الله سرًّا بعد اليوم .

روى أنس بن مالك : رضي الله عنه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : «أَرْحَمُ ( أصْحَابِ ) النَّبِيِّ أبُو بَكْر ، وَأَشَدُّهُمْ فِي أَمْرِ اللهِ عُمَرُ ، وَأَصْدَقُهُمْ حُبًّا عُثْمَانُ وَأَفْرَضُهُمْ زيدٌ ، وَأَقْرَأُهُمْ أبيٌّ ، وَأَعْلَمُهُمْ بالحلال وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ ، وَلِكُلِّ أُمَّة أَمِينٌ وَأَمِين هَذِهِ الأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الجَرَّاحِ » ، وفي رواية أخرى : «وَأَقْضَاهُمْ عَلِيٌّ » وروى بريدةُ عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال : «مَنْ مَاتَ مِنْ أَصْحَابِي بِأَرْض كان نُورَهُمْ وَقَائِدَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) »{[51919]} .

قوله : { يُعْجِبُ الزراع } حال أي معجباً{[51920]} . وها تم المَثَلُ .

قوله : «لِيَغِيظَ » فيه أوجهٌ :

أحدها : أنه متعلق ب «وَعَدَ » ؛ لأن الكفار إذا سمعوا بعزِّ المؤمنين في الدنيا وما أد لهم في الآخرة غَاظَهُمْ ذلك{[51921]} .

الثاني : أن يتعلق بمحذوف دل عليه تشبيهُهُمْ بالزرع في نمائِهِمْ وتقويتهم . قاله الزمخشري{[51922]} ، أي شبههم الله بذلك ليغيظ .

الثالث : أن يتعلق بما دل عليه قوله : { أَشِدَّآءُ عَلَى الكفار . . . . } إلى آخره أي جعلهم بهذه الصفات ليغيظ .

قال مالك ابن أنس ( رضي الله عنه ){[51923]} «مَنْ أصْبَحَ فِي قَلْبِهِ غَيْظٌ عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَدْ أصابته هَذِهِ الآيَةُ »{[51924]} . وقال عليه الصلاة السلام : «اللهَ اللهَ فِي أَصْحَابِي لاَ تَتَّخِذُوهُمْ عَرَضاً بَعْدِي ، فمن أحبهم فبحبي أحبهم ، ومن أبغضهم{[51925]} فببغضي أبغضهم ومن أذاهم فقد أذاني ومَن أَذَانِي فَقَدْ أَذَى الله فَيُوشِكُ أَنْ يَأخُذَهُ »{[51926]} .

وقال عليه الصلاة والسلام : «لاَ تَسُبّثوا أَصْحَابِي فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَباً مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدهِم وَلاَ نَصِيفَهُ »{[51927]} .

قوله : { وَعَدَ الله الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات مِنْهُم } «مِنْ » هذه للبيان ، لا للتبعيض ؛ لأن كلهم كذلك فهي كقوله : { فاجتنبوا الرجس مِنَ الأوثان } [ الحج : 30 ] .

وقال الطبري : منهم يعني من الشطء الذي أخرج الزرع ، وهم الداخلون في الإسلام إلى يوم القيامة ، فَأَعَادَ الضمير على معنى الشطء لا على لَفْظِهِ فقال : «مِنْهُمْ » ولم يقل : مِنْه وهو معنًى حَسَنٌ{[51928]} .

فصل

قد تقدم الكلام على الأجر العظيم والمغفرة مراراً . وقال ههنا في حق الراكعين السَّاجدين : إنهم يَبْتَغُونَ فضلاً من الله ورِضْواناً وقال : «لهم أجر » ولم يقل : لهم ما يطلبوا ( نَ ){[51929]} ه من الفضْل ؛ لأن المؤمن عند العمل لم يلتَفِتْ إلى عمله ولم يجعل له أجراً يعتدّ به فقال : لا أبتغي إلا فضلك فإن عملي نَزْرٌ لا يكون له أجرٌ والله تعالى آتاه{[51930]} من طلب الفضل ، وسماه أجراً إشارةً إلى قبوله{[51931]} عمله ووقوعه الموقع{[51932]} .

ختام السورة:

روى أنه من قرأ أول ليلة من رمضان : إنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً فِي التَّطَوع حُفِظَ في ذلك العام ( انتهى ){[1]} . ( اللَّهم إِنِّي أَسْأَلُكَ رِضَاكَ والْجَنَّة وأَعوذُ بك من سَخَطِكَ والنَّارِ ){[2]} .


[1]:في النسختين تقدم. وندم تصحيح من الرازي. وانظر تصحيح ذلك وغيره في تفسير الإمام 28/117.
[2]:ذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/605) وعزاه إلى عبد بن حميد وابن أبي حاتم.
[51866]:قال بهذه الإعرابات العكبري في التبيان 1168 والزمخشري في الكشاف 3/550. ونقله أبو حيان في البحر 8/101.
[51867]:ما بين القوسين الكبيرين كله سقط من نسخة ب.
[51868]:وكلام ابن الخطيب على اعتبار أن "أشداء" خبر "محمد" قال: وثالثهما وهو مستنبط وهو أن يقال: محمد مبتدأ و "رسول الله" عطف بيان للمدح للتمييز و "الذين معه" عطف على "محمد" وقوله "أشداء" خبر انظر الرازي 28/107.
[51869]:الرازي السابق.
[51870]:في الكشاف: على المدح هو الأصح وهي في البحر ولم أجدها في المتواتر عنه. انظر الكشاف والبحر المرجعين السابقين.
[51871]:انظر محتسب ابن جني 2/276 وهي شاذة وانظر كذلك الكشاف والبحر السابقين.
[51872]:انظر المحتسب والبحر السابقين.
[51873]:وهو قوله: "يبتغون" وفي التبيان: ويجوز أن يكون "تراهم" مستأنفا. وانظر التبيان 1168.
[51874]:انظر التبيان المرجع السابق.
[51875]:هو يحيى بن يعمر العالم البصري الكبير الذي مر ترجمته.
[51876]:وهي شاذة كما أخبر أعلى انظر البحر 8/102 ومختصر ابن خالويه 142.
[51877]:صدر بيت من الرجز لشاعر لم أعرفه وهو من الأبيات المشهورة في النحو عجزه: ...................... وإن تحنى كل عود ودبر وتحنى معناه انحنى من حنى ظهره إذا احدودب، والعود المسن من الإبل ودبر البعير يدبر دبرة ودبرا إذا فقر ظهره. والشاهد: قصر "صنعاء" وهي المعرفة في اليمن. وذلك ضرورة للوزن. وانظر حاشية الصبان 4/109 والهمع 2/156 والبحر 8/102 والتصريح 2/293.
[51878]:البحر 8/102.
[51879]:ذكرها صاحب الإتحاف 396.
[51880]:فقد تكررت في آل عمران من الآية 15 {ورضوان من الله} و162 و174 من نفس تلك السورة.
[51881]:وهو قوله: "يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا} الآية 2 منها. هذا ولم أجد هذه القراءة لا في آل عمران ولا في غيرهما وردت في المتواتر فهي من القراءات العشرية وانظر التقريب لابن الجوزي 174.
[51882]:في ب سيماهم تحريف من الناسخ وقد ذكر هذه القراءة دون نسبة أبو حيان في البحر 8/102 ورسمها المؤلف هكذا بهمزة مضمومة بعد الألف بينما وجدت في البحر سيمياهم وأوردها ابن خالويه كما كتبها المؤلف. انظر المختصر 143.
[51883]:زيادة من أ.
[51884]:من الطويل لأسيد بن عنقاء. وشاهدة في السيمياء فهي بمعنى العلامة. وقد تقدم.
[51885]:من الآية 237: {تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافا}، وبين هناك أن الأصل فيها الواو فقلبت ياء لكسرة السين "سوماهم" وهي تمد وتقصر ويقال فيها السيماء وسيمياء. ومعنى البيت حينئذ: أن هذا الغلام جميل يفرح به من ينظر إليه. وانظر اللباب 1/417 ب واللسان والصحاح سوم.
[51886]:التبيان 1168 و1169.
[51887]:كلتاهما شاذتان. وانظر البحر 8/102 والكشاف 3/550.
[51888]:كلتاهما شاذتان. وانظر البحر 8/102 والكشاف 3/550.
[51889]:انظر هذه الأقوال في القرطبي 16/293 و294.
[51890]:زيادة من أ الأصل.
[51891]:القرطبي 16/294.
[51892]:السابق.
[51893]:قال في المعاني 3/69: "وقوله: ذلك مثلهم في التوراة وفي الإنجيل أيضا كمثلهم في القرآن" وانظر أيضا البحر 8/102 والتبيان 1169.
[51894]:انظر هذه الإعرابات في المرجع السابق. وذكر الوجه الأول أبو حيان في بحره 8/102.
[51895]:مع ابن عامر وهي سبعية متواترة انظر السبعة 604 والكشف 2/282 والإتحاف 396 وقد وافقهم ابن محيصن أيضا. وانظر أيضا الكشاف 3/551 والبحر 8/102 والقرطبي 16/295.
[51896]:شاذة. انظر الكشاف والبحر السابقين. وهي قراءة عيسى الهمداني فيما رواه ابن جني في المحتسب 2/276 بينما نسبها ابن خالويه في المختصر 142 لأبي حيوة كالنؤلف ولابن أبي عبلة ولعيسى البصري الثقفي.
[51897]:البحر والكشاف السابقين. ونسبها ابن جني في المحتسب لعيسى 2/277 بينما سكت عنها ابن خالويه ولم يأت بها. والزمخشري على عادته أتى بها قراءة دون نسبة بينما نسبها الإمام القرطبي لأنس ونصر بن عاصم وابن وثاب وهي شاذة كسابقتها.
[51898]:مخفف المرأة والكمأة.
[51899]:وشاذ عند البصريين لا يقاس عليها لأن الهمزة ليست حرف علة حتى يكون فيها إعلال على خلاف في إجازة البعض فيها من اعتبارها رابعة مع حروف العلة الثلاثة.
[51900]:انظر البحر 8/103.
[51901]:لم أجدها في المتواتر عنهما. كما رويت عن شيبة والجحدري. انظر البحر السابق والكشاف 3/551 ومختصر ابن خالويه 142.
[51902]:نقل حركة الهمزة إلى الطاء.
[51903]:حذف الهمزة المنقول حركتها.
[51904]:حيث نقل ثم حذف المنقول منه وهو غير حرف علة وقد عبر سيبويه عن مذهب الكوفيين بعدما حكاه بقوله "وهو قليل". وانظر في نقل حركة الهمزة وحذفها وإثباتها شرح الشافية للرضي 3/40 و41.
[51905]:ذكرها أبو الفتح في المحتسب 2/277 وانظر الكشاف والبحر السابقين وهي شاذة.
[51906]:واختار ابن جني أن يكون في البر والشعير وكذلك الفراء في المعاني 3/69. وقيل: إن الشطء شوك السنبل والعرب أيضا تسمية السفا. وهو شوك البهمن قاله قطرب. وهناك كلام كثير وآراء ذكرت لابن الأعرابي وغيره ولكن الغالبية أكدت أنه في البر والشعير. انظر القرطبي 16/294 و295 وغريب القرآن 413 والمجاز 2/218.
[51907]:من الرمل ولم أهتد إلى منشده. والشاهد: في الشطء فهو بمعنى الزرع المخروج. قال الفراء: أشطأ الزرع فهو مشطئ. وانظر البحر المحيط 8/102 وفتح القدير للشوكاني 5/56 والقرطبي 16/294.
[51908]:فيكون ثلاثيا مزيدا بهمزة، كأكرم وأحسن.
[51909]:كذا في النسختين وهو الظاهر وفي البحر مصدر المؤلف: كمجاهد وغيره.
[51910]:في ب: لم يسمع في مضارعه بأنه تؤازر بل تؤزر. وانظر البحر 8/103.
[51911]:ذكرها البحر في 8/103 والكشاف في 3/551 ولكن بلا تحديد من قرأ بها. وانظر القرطبي 16/395 وأضاف لابن ذكوان حميد بن قيس.
[51912]:لم ينسبها أبو حيان ولا الزمخشري في مرجعيهما الماضيين وهي شاذة كسابقتيها.
[51913]:من الطويل لامرئ القيس. والمحنية واحدة المحاني وهي معاطف الأودية والضال شجرة السدر والمعنى في معطف واد ساوى نبته شجر الضال وهو مجمع جيوش بعضها غانم وبعضها خائب من الغنيمة. (انظر مجمع البيان للطبرسي 9/189، وفتح القدير 5/59 والقرطبي 16/295، والبحر 8/88 وروي في مجمع البيان "مضم جيوش". وفي البحر "بجر". وانظر الديوان 45).
[51914]:من الآية 44 منها حيث يقول الله: {فلما رأته حسبته لجة وكشفت عن ساقيها}.
[51915]:في ب قنبل بغير نصب. تحريف.
[51916]:وهي قراءة ابن كثير أيضا فيما رواه أبو حيان في البحر 8/103 وابن مجاهد في السبعة 605 ومكي في الكشف 2/283 والإتحاف 396 و397. وهي سبعية متواترة.
[51917]:صدر بيت من الوافر لجرير عجزه: ............................. وجعدة إذا أضاءهما الوقود من قصيدة له يمدح بها هشام بن عبد الملك، وقد روي قوله: أحب هكذا على أنه تفضيل. كما روي لحب بلام ابتداء وروي: لحب الموقدان باللام بعدها فعل تعجب وموسى وجعدة ابنا الشاعر. والبيت فيه همز الواو. قيل وجه ذلك أن الواو لما جاورت الضمة صارت كأنها مضمومة والواو المضمومة تهمز نحو نؤور وغؤور. وقد تقدم.
[51918]:انظر هذا الفصل في القرطبي 16/394 و295 والبحر 8/102 و103.
[51919]:البغوي في معالم التنزيل 6/216 و217 وهذا وما بين القوسين كله ساقط من نسخة ب.
[51920]:التبيان 1169 وانظر البحر المحيط أيضا 8/102 و103.
[51921]:قاله أبو حيان في البحر 8/103.
[51922]:الكشاف 3/551 وقد قال بالوجه الأول فقط.
[51923]:زيادة في أ الأصل.
[51924]:ذكره عنه الخطيب أبو بكر فيما نقله عنه الإمام القرطبي في الجامع 16/296 و297 وقد رواه عن مالك أبو عروة الزبيري انظر المرجع السابق.
[51925]:في أ الأصل: أبغضني ولعله سهو من الناسخ.
[51926]:أخرجه الإمام أحمد في مسنده عن عبد اله ب مغفل المزني 4/87 و55 و57.
[51927]:القرطبي 16/297 والبخاري 2/292.
[51928]:جامع البيان له.
[51929]:في النسختين يطلبوه. والتصحيح ما أثبت أعلى.
[51930]:في الرازي: آتاه ما آتاه من الفضل.
[51931]:في ب والرازي: قبول بدون عائد.
[51932]:انظر الرازي 8/109.