غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{مُّحَمَّدٞ رَّسُولُ ٱللَّهِۚ وَٱلَّذِينَ مَعَهُۥٓ أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلۡكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيۡنَهُمۡۖ تَرَىٰهُمۡ رُكَّعٗا سُجَّدٗا يَبۡتَغُونَ فَضۡلٗا مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضۡوَٰنٗاۖ سِيمَاهُمۡ فِي وُجُوهِهِم مِّنۡ أَثَرِ ٱلسُّجُودِۚ ذَٰلِكَ مَثَلُهُمۡ فِي ٱلتَّوۡرَىٰةِۚ وَمَثَلُهُمۡ فِي ٱلۡإِنجِيلِ كَزَرۡعٍ أَخۡرَجَ شَطۡـَٔهُۥ فَـَٔازَرَهُۥ فَٱسۡتَغۡلَظَ فَٱسۡتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِۦ يُعۡجِبُ ٱلزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ ٱلۡكُفَّارَۗ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ مِنۡهُم مَّغۡفِرَةٗ وَأَجۡرًا عَظِيمَۢا} (29)

1

ثم أكد الشهادة وأرغم أنف قريش الذين لمن يرضوا بهذا التعريف في كتاب العهد فقال { محمد رسول الله } فهو مبتدأ وخبر . وجوز أهل الإعراب أن يكون المبتدأ محذوفاً لتقدم ذكره في قوله { أرسل رسوله } أي هو محمد فيكون { رسول الله } صفة أو عطف بيان ، وجوزوا أن يكون { محمد } مبتدأ و { رسول الله } صفته أو بياناً . وقوله { والذين معه } وهم الصحابة عطفاً على { محمد } وخبر الجميع { أشداء على الكفار } جمع شديد كما قال { وأغلظ عليهم } [ التحريم : 9 ] { أعزة على الكافرين } [ المائدة : 54 ] عن الحسن : بلغ من تشدّدهم على الكفار أنهم كانوا يتحرزون من ثيابهم أن تلزق بثيابهم فكيف بأبدانهم ، وبلغ من ترحمهم فيما بينهم أنه كان لا يرى مؤمن مؤمناً إلا صحافه وعانقه . والمصافحة جائزة بالاتفاق ، وأما المعانقة والتقبيل فقد كرههما أبو حنيفة رضي الله عنه وإن كان التقبيل على اليد . ومن حق المؤمنين أن يراعوا هذه السنة أبداً فيتشدّدوا على مخالفيهم ويرحموا أهل دينهم { تراهم } يا محمد أو يا له أهلية الخطاب { ركعاً سجداً } راكعين ساجدين { يبتغون فضلاً من الله } بالعفو عن تقصيرهم { ورضواناً } منه عن أعمالهم الصالحة بأن يتقبلها الله منهم { سيماهم } علامتهم { في وجوههم من أثر السجود } فيجوز أن تكون العلامة أمراً محسوساً وأن السجود بمعنى حقيقة وضع الجبهة على ألأرض ، وكان كل من عليّ بن الحسين زين العابدين عليه السلام وعليّ بن عبد الله بن عباس أبي الأملاك يقال له ذو الثفنات ، لأن كثرة سجودهما أحدثت في مواضع السجود منهما أشباه ثفنات البعير . والذي جاء في الحديث " لا تعلبوا صوركم " أي لا تخدشوها . وعن ابن عمر أنه رأى رجلاً أثر في وجهه السجود فقال : إن صورة وجهك أنفك فلا تعلب وجهك ولا تشن صورتك محمول على التعمد رياء وسمعة . وعن سعيد بن المسيب هي ندى الطهور وتراب الأرض . ويجوز أن يكون أمراً معنوياً من البهاء والنور . وعن عطاء : استنارت وجوههم من التهجد كما قيل " من كثر صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار " وإن الذي يبيت شارباً يتميز عند أراب البصيرة من الذي يبيت مصلياً وفيه قال بعضهم :

عيناك قد حكتا مبي *** تك كيف كنت وكيف كانا

ولرب عين قد أرت *** ك مبيت صاحبها عياناً

قال المحققون : إن من توجه إلى شمس الدنيا لا بد من أن يقع شعاعها على وجهه ، فالذي أقبل على شمس عالم الوجود وهو الله سبحانه كيف لا يستنير ظاهره وباطنه ولاسيما يوم تبلى السرائر ويكشف الغطاء { ذلك مثلهم } أي ذلك الوصف وصفهم العجيب الشأن في الكتابين : ويجوز أن يكون ذلك إشارة مبهمة أوضحت بقوله { كزرع } إلى آخره . كقوله { وقضينا إليه ذلك الأمر أن دابر هؤلاء مقطوع } [ الحجر : 66 ] وقد يقال : تم الكلام عند قوله { ذلك مثلهم في التوراة } ثم ابتدأ { مثلهم في الإنجيل كزرع } لما روى أنه مكتوب في الإنجيل : سيرخج قوم ينبتون نبات الزرع يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر عرفوا إلى بني إسرائيل بهذا الوصف ليعرفوهم إذا أبصروهم . والشطء بالتسكين والتحريك فراخ الزرع التي تنبت إلى جانب الأصل ، ومنه شاطئ النهر . { فآزره } من المؤازره المعاونة . ويجوز أن يكون أفعل من الأزر القوة أي أعان الزرع الشطء أو بالعكس . { فاستغلظ } الزرع أو الشطء أي صار من الرقة إلى الغلظ { فاستوى على سوقه } فاستقام على قصبته أي تناهى وصار كالأصل بحيث يعجب الزارعين . والسوق جمع ساق وقد يخص الساق بالشجر فيكون ساق الزرع مجازاً مستعاراً . ووجه التشبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج وحده ثم أتبعه من هاهنا قليل ومن هاهنا حتى كثروا وقوي أمرهم . وقوله { ليغيظ بهم الكفار } تعليل لوجه التشبيه أو للتشبيه أي ضرب الله ذلك المثل وقضى وحكم بذلك ليغيظ بمحمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه كفار مكة والعجم . وقيل : هذا الزرع بغيظ بكثرته الكفار أي سائر الزرّاع الذين ليس لهم مثل زرعهم وفيه بعد ، ولكن الكلام لا يخلو عن فصاحة لفيظة من قبل المناسبة بين الزراع والكفار لاشتراكهما بالجملة في معنى من المعاني وإن لم يكن مقصوداً هاهنا . وذهب بعض المفسرين إلى أن قوله { والذين معه } أبو بكر { أشداء على الكفار } عمر { رحماء بينهم } عثمان { نراهم ركعاً سجداً } علي عليه السلام { يبتغون فضلاً من الله ورضواناً } طلحة والزبير { سيماهم في وجوههم } سعد وسعيد وعبد الرحمن بن عوف وأبو عبيدة ابن الجراح . وعن عكرمة : أخرج شطأة بأبي بكر فآزره بعمر فاستغلظ بعثمان فاستوى على سوقه بعليّ . وقوله { منهم } لبيان الجنس . ويجوز أن يكون قوله { ليغيظ } تعليلاً للوعد لان الكفار إذا سمعوا بما أعدّ لهم في الآخرة مع ما حصل لهم في الدنيا من الغلبة والاستعلاء غاظهم ذلك والله أعلم .

/خ29