أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير للجزائري - أبوبكر الجزائري [إخفاء]  
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمۡ تَعَالَوۡاْ يَسۡتَغۡفِرۡ لَكُمۡ رَسُولُ ٱللَّهِ لَوَّوۡاْ رُءُوسَهُمۡ وَرَأَيۡتَهُمۡ يَصُدُّونَ وَهُم مُّسۡتَكۡبِرُونَ} (5)

شرح الكلمات :

{ وإذا قيل لهم تعالوا } : أي معتذرين .

{ لووا رؤوسهم } : أي رفضوا الاعتذار الى رسول الله صلى الله عليه وسلم .

{ ورأيتهم يصدون } : أي يعرضون عما دعوا إليه وهم مستكبرون .

المعنى :

ما زال السياق الكريم في الحديث عن المنافقين فقوله تعالى في الآية ( 5 ) { وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله } وذلك عندما قال ابن أُبى ما قال من كلمات خبيثة منها قوله في المهاجرين . سمن كلبك يأكلك . وقوله لصاحبه : لا تنفقوا على المهاجرين حتى يتفرقوا عن محمد صلى الله عليه وسلم ، وقوله مهدداً لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز يعنى نفسه ورفاقه المنافقين الأذل يعنى الأنصار والمهاجرين . فلما قال هذا كله وأكثره في غزوة بني المصطلق وأخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء فحلف بالله ما قال شيئاً من ذلك أبداً وذهب فنزلت هذه السورة الكريمة تكذبه .

ولما نزلت هذه السورة بفضيحته جاءه من قال له : يا أبا الحباب " كنية أبن أبي " إنه قد نزل فيك آي شِداد فاذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستغفر لك فلوى رأسه أي عطفه إلى جهة غير جهة من يخاطبه وقال : أمرتموني أن أؤمن فآمنت وأمرتموني أن أعطى زكاة مالي فأعطيت فما بقى إلا أن أسجد لمحمد صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآيات الثلاث وإذا قيل لهم تعالوا أي معتذرين يستغفر لكم رسول الله . لووا رؤوسهم أي رفضوا العرض ورأيتهم يصدون عنك وهم مستكبرون والمراد بهم ابن أبي عليه لعائن الله .

الهداية

من الهداية :

- ذمّ الإِعراض والاستكبار عن التوبة والاستغفار . فمن قيل له استغفر الله فليستغفر ولا يتكبر بل عليه أن يقول : استغفر الله أو اللهم اغفر لي .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمۡ تَعَالَوۡاْ يَسۡتَغۡفِرۡ لَكُمۡ رَسُولُ ٱللَّهِ لَوَّوۡاْ رُءُوسَهُمۡ وَرَأَيۡتَهُمۡ يَصُدُّونَ وَهُم مُّسۡتَكۡبِرُونَ} (5)

ولما كان هذا أمراً عظيماً قاطعاً عن الله ورسوله فيحتاج فاعله حاجة شديدة إلى التطهير وهو جدير بعظمه أن لا يطهره غاية الطهر إلا سؤال النبي صلى الله عليه وسلم وكانوا لم يفعلوا ذلك ، دل على سوء بواطنهم وغلظ أكبادهم وأنهم{[65500]} كالخشب المسندة في أنهم لا ثمرة لهم ولا زكاء أصلاً بقوله : { وإذا قيل لهم } أي{[65501]} من أيّ قائل كان : { تعالوا } أي ارفعوا أنفسكم مجتهدين في ذلك بالمجيء إلى أشرف الخلق الذي لا يزال مكانه{[65502]} عالياً لعلو مكانته{[65503]} { يستغفر لكم } أي يطلب الغفران لأجلكم خاصة بعد أن تتولوا من ذنبكم{[65504]} من أجل هذا الكذب الذي أنتم مصرون عليه . ولما تقدم عاملان ، أعمل الثاني منهما {[65505]}كما هو المختار{[65506]} من مذهب البصريين فرفع قوله : { رسول الله } أي أقرب الخلق إلى الملك الأعظم الذي لا شبيه لجوده { لووا رؤوسهم } أي فعلوا{[65507]} اللي بغاية الشدة والكثرة ، وهو الصرف إلى جهة أخرى إعراضاً وعتواً وإظهاراً للبغض والنفرة ، وبالغوا فيه مبالغة تدل على أنهم مغلوبون عليه لشدة ما في بواطنهم{[65508]} من المرض { ورأيتهم } أي بعين البصيرة { يصدون } أي يعرضون إعراضاً قبيحاً عما دعوا إليه مجددين لذلك كلما دعوا إليه ، والجملة في موضع المفعول الثاني لرأيت { وهم مستكبرون * } أي ثابتو الكبر عمن دعوا إليه وعن إحلال أنفسهم في محل الاعتذار ، فهم لشدة غلظتهم لا يدركون قبح ما هم عليه ولا يهتدون إلى دوائه ، وإذا أرشدهم غيرهم ونبههم لا ينبهون ، فقد روي أنه لما نزل القرآن فيهم أتاهم عشائرهم من المؤمنين وقالوا : ويحكم افتضحتم وأهلكتم أنفسكم ، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وتولوا إليه واسألوه أن يستغفر لكم ، فأبوا ذلك فأنزل الله هذه الآية ، وروي{[65509]} أن{[65510]} ابن أبي رأسهم لوى رأسه وقال لهم : أشرتم علي بالإيمان فآمنت وأشرتم عليّ بأن أعطي زكاة مالي ففعلت ، ولم يبق إلا أن تأمروني بالسجود لمحمد .


[65500]:- من ظ وم، وفي الأصل: هم.
[65501]:- زيد من م.
[65502]:- من ظ وم، وفي الأصل: عليا لعلو مكانه.
[65503]:- من ظ وم، وفي الأصل: عليا لعلو مكانه.
[65504]:- في ظ و م: وبكم.
[65505]:- من ظ وم، وفي الأصل: كالمختار.
[65506]:- من ظ وم، وفي الأصل: كالمختار.
[65507]:- زيد من ظ و م.
[65508]:- من م، وفي الأصل وظ: بطونهم.
[65509]:- راجع معالم التنزيل 7/ 84.
[65510]:- زيد من م.