السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمۡ تَعَالَوۡاْ يَسۡتَغۡفِرۡ لَكُمۡ رَسُولُ ٱللَّهِ لَوَّوۡاْ رُءُوسَهُمۡ وَرَأَيۡتَهُمۡ يَصُدُّونَ وَهُم مُّسۡتَكۡبِرُونَ} (5)

{ وإذا قيل لهم } أي : من أيّ قائل كان { تعالوا } أي : ارفعوا أنفسكم مجتهدين في ذلك بالمجيء إلى أشرف الخلق الذي لا يزال مكانه عالياً لعلوّ مكانته { يستغفر لكم } أي : يطلب الغفران لأجلكم خاصة من أجل هذا الكذب أي : الذي أنتم مصرّون عليه { رسول الله } أي : أقرب الخلق إلى الملك الأعظم الذي لا شبيه لوجوده { لوّوا رؤوسهم } أي : فعلوا اللي بغاية الشدّة والكثرة ، وهو الصرف إلى جهة أخرى إعراضاً وعتواً ، وإظهاراً للبغض والنفرة { ورأيتهم } أي : بعين البصيرة { يصدّون } أي : يعرضون إعراضاً قبيحاً عما دعوا إليه ، مجدّدين لذلك كلما دعوا إليه ، والجملة في وضع المفعول الثاني لرأيت { وهم مستكبرون } أي : ثابتوا الكبر عما دعوا إليه ، وعن إحلال أنفسهم في محل الاعتذار فهم لشدّة غلظهم لا يدركون قبح ما هم عليه ، ولا يهتدون إلى دوائه ، وإذا أرشدهم غيرهم ونبههم لا ينتبهون .

فقد روي أنه لما نزل القرآن فيهم أتاهم عشائرهم من المؤمنين ، وقالوا : ويحكم افتضحتم وأهلكتم أنفسكم ، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوبوا إليه من النفاق ، واسألوه أن يستغفر لكم فلووا رؤوسهم ، أي : حرّكوها إعراضاً وإباء قاله ابن عباس .

وعنه : أنه كان لعبد الله بن أبي موقف في كل سبت يحض على طاعة الله وطاعة رسوله ، فقيل له : وما ينفعك ذلك ورسول الله صلى الله عليه وسلم عليك غضبان ، فأته يستغفر لك فأبى ، وقال : لا أذهب إليه . وروي أنّ ابن أبيّ رأسهم لوى رأسه ، وقال لهم : أشرتم عليّ بالإيمان فآمنت ، وأشرتم عليّ بأن أعطي زكاة مالي ففعلت ، ولم يبق إلا أن تأمروني بالسجود لمحمد فنزل { وإذا قيل لهم تعالوا } الآية . ولم يلبث إلا أياماً قلائل حتى اشتكى ومات .