النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمۡ تَعَالَوۡاْ يَسۡتَغۡفِرۡ لَكُمۡ رَسُولُ ٱللَّهِ لَوَّوۡاْ رُءُوسَهُمۡ وَرَأَيۡتَهُمۡ يَصُدُّونَ وَهُم مُّسۡتَكۡبِرُونَ} (5)

{ وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله } الآية .

روى سعيد بن جبير أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا نزل منزلاً لم يرتحل منه حتى يصلي فيه ، فلما كانت غزوة تبوك بلغة أن ابن أُبَيّ قال : لئن رجعنا إلى المدينة لِيُخرجَنَّ الأعزُّ منها الأذلَّ ، فارتحل قبل أن ينزل آخرُ الناس ، وقيل لعبد الله بن أُبيّ : ائت النبي صلى الله عليه وسلم حتى يستغفر لك ، فلوى رأسه ، وهذا معنى قوله : { لوَّوْا رؤوسَهم } إشارة إليه وإلى أصحابه ، أي حركوها ، وأعرضوا يمنة ويسرة إلى غير جهة المخاطب ينظرون شزراً .

ويحتمل قولاً ثانيا : أن معنى قوله { يستغفر لكم رسول الله } يستتيبكم من النفاق لأن التوبة استغفار .

وفيما فعله عبد الله بن أبيّ حين لوى رأسه وجهان :

أحدهما : أنه فعل ذلك استهزاء وامتناعاً من فعل ما دعي إليه من إتيان الرسول للاستغار له ، قاله قتادة .

الثاني : أنه لوى رأسه بمعنى ماذا قلت ، قاله مجاهد .

{ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ } فيه وجهان :

أحدهما : يمتنعون ، قال الشاعر{[2988]} :

صدَدْتِ الكاسَ عنا أُمَّ عمرو *** وكان الكأسُ مجراها اليمينا

الثاني : يعرضون ، قال الأعشى :

صَدَّقَت هُرَيْرةُ عنّا ما تُكَلِّمنا *** جَهْلاً بأُمّ خُلَيْدٍ حبل من تصل{[2989]}

وفيما يصدون عنه وجهان :

أحدهما : عما دُعوا إليه من استغفار الرسول صلى الله عليه وسلم .

الثاني : عن الإخلاص للإيمان .

{ وَهُم مسْتَكْبِرُونَ } فيه وجهان :

أحدهما : متكبرون .

الثاني : ممتنعون .


[2988]:هو عمرو بن كلثوم، من معلقته.
[2989]:في ك جاء البيت محرفا وقد صوبناه من ديوان الأعشي.