الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمۡ تَعَالَوۡاْ يَسۡتَغۡفِرۡ لَكُمۡ رَسُولُ ٱللَّهِ لَوَّوۡاْ رُءُوسَهُمۡ وَرَأَيۡتَهُمۡ يَصُدُّونَ وَهُم مُّسۡتَكۡبِرُونَ} (5)

أخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا نزل منزلاً في السفر لم يرتحل منه حتى يصلي فيه ، فلما كان غزوة تبوك نزل منزلاً ، فقال عبدالله بن أبيّ : لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فارتحل ولم يصل ، فذكروا ذلك فذكر قصة ابن أبيّ ، ونزل القرآن { إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله } وجاء عبدالله بن أبيّ إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فجعل يعتذر ويحلف ما قال ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له : «تب ، فجعل يلوي رأسه » ، فأنزل الله عز وجل { وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا رؤوسهم } الآية .

وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن مجاهد { وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا رؤوسهم } قال : عبدالله بن أبيّ بن سلول ، قيل له : تعال يستغفر لك رسول الله صلى الله عليه وسلم فلوى رأسه وقال : ماذا قلت ؟

وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله : { وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا رؤوسهم } قال : حركوها استهزاء .

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في الآية ، قال : نزلت في عبدالله بن أبيّ وذلك أن غلاماً من قرابته انطلق إلى النبي صلى الله عليه وسلم بحديث وتكذيب شديد ، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإذا هو يحلف ويتبرأ من ذلك ، وأقبلت الأنصار على ذلك الغلام فلاموه وعذلوه ، وقيل لعبدالله رضي الله عنه : لو أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاستغفر لك فجعل يلوي رأسه ، ويقول : لست فاعلاً وكذب علي ، فأنزل الله ما تسمعون .

وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر من طريق الحكم عن عكرمة أن عبدالله بن أبيّ بن سلول كان له ابن يقال له حباب ، فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبدالله ، فقال يا رسول الله : إن والدي يؤذي الله ورسوله ، فذرني حتى أقتله ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا تقتل أباك » ثم جاءه أيضاً ، فقال له : يا رسول الله إن والدي يؤذي الله ورسوله فذرني حتى أقتله ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا تقتل أباك » ثم جاءه أيضا فقال : يا رسول الله إن والدي يؤذي الله ورسوله ، فذرني أقتله ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا تقتل أباك » فقال : يا رسول الله فذرني حتى أسقيه من وضوئك لعل قلبه يلين ، فتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعطاه ، فذهب به إلى أبيه فسقاه ثم قال له : هل تدري ما سقيتك ؟ قال له والده : سقيتني بول أمك ، فقال له ابنه : والله ولكن سقيتك وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال عكرمة : وكان عبدالله بن أبيّ عظيم الشأن ، وفيه أنزلت هذه الآية في المنافقين هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا ، وهو الذي قال : لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل . قال الحكم : ثم حدثني بشر بن مسلم أنه قيل له : يا أبا حباب إنه قد نزل فيك آي شداد ، فاذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستغفر لك ، فلوى رأسه ثم قال : أمرتموني أن أومن فقد آمنت ، وأمرتموني أن أعطي زكاة مالي فقد أعطيت ، فما بقي إلا أن أسجد لمحمد .