الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمۡ تَعَالَوۡاْ يَسۡتَغۡفِرۡ لَكُمۡ رَسُولُ ٱللَّهِ لَوَّوۡاْ رُءُوسَهُمۡ وَرَأَيۡتَهُمۡ يَصُدُّونَ وَهُم مُّسۡتَكۡبِرُونَ} (5)

وقوله تعالى : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ الله } الآية ، سَبَبُ نُزُولِها أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم غَزَا بني المُصْطَلِق ، فَازْدَحَمَ أَجيرٌ لِعُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ يُقَالُ لَهُ «جَهْجَاهٌ » مَعَ سِنَانِ بْنِ وَبَرَةَ الجُهَنِيِّ ، حَلِيفٌ لِلأَنْصَارِ ، عَلَى الْمَاءِ فَكَسَعَ جَهْجَاهٌ سِنَاناً فَتَشاوَرَا ، ودَعَا جَهْجَاهُ : يَا للْمُهَاجِرِينَ ، وَدَعَا سِنَانٌ : يَا لِلأَنْصَارِ ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم فَقَال : ( مَا بَالُ دَعْوَى الجَاهِلِيَّةِ ) فَلَمَا أُخْبِرَ بالقصةِ ، قال : ( دَعُوهَا ؛ فَإنَّهَا مُنْتِنَةٌ ) ، فقال عبد اللَّه بن أُبَيٍّ : أَوَقَدْ فَعَلُوهَا ؟ واللَّهِ ، مَا مَثَلُنَا وَمَثَلُ جَلاَبِيبِ قُرَيْشٍ إلاَّ كَما قَال الأوَّلُ : سَمِّنْ كَلْبَكَ يَأْكُلْكَ ! ! وقال : { لَئِنْ رَجَعْنَا إلَى المَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْها الأَذَلَّ } ثُمَّ قَال ؛ لِمَنْ معه مِنَ المنافقينَ : إنَّما يُقيمُ هؤلاءِ المهاجرونَ مَعَ محمدٍ بِسَبَبِ مَعُونَتِكمْ لَهم ، ولَوْ قَطَعْتُمْ ذَلِكَ عنهم ؛ لَفَرُّوا ، فَسَمِعَهَا منه زيدُ بن أرقم ، فأخْبَرَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم بذلك ، فَعَاتَبَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم عبدَ اللَّه بن أُبَيٍّ عِنْدَ رجالٍ مِنَ الأَنْصَارِ ، فبلغَه ذلك ، فَجَاءَ وَحَلَفَ مَا قَالَ ذلك ، وحَلَفَ معَهُ قَوْمٌ مِنَ المُنَافِقِينَ ، وكَذَّبُوا زيداً ، فَصَدَّقَهُمُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم فَبَقِيَ زَيْدٌ في منزلهِ لاَ ينصرفُ حَيَاءً مِنَ الناسِ فَنَزَلَتْ هذهِ السورةُ عِنْد ذَلِكَ ، فبعثَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم إلَى زَيْدٍ وقال لهُ : لَقَدْ صَدَقَكَ اللَّهُ يَا زَيْدُ ، فَخَزِيَ عِنْدَ ذَلِكَ عبدُ اللَّه بن أُبَيٍّ ومَقَتَه الناسُ ولاَمه المؤْمِنونَ من قومِه ، وقال له بعضهم : امْضِ إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم واعْتَرِفْ بذنبكَ يَسْتَغْفِرْ لَكَ ، فلوى رَأْسَهُ إنْكَاراً لهذا الرَّأْيِ ، وقال لهم : لقد أشَرْتُمْ علي بالإيمان فآمنتُ ، وأَشَرْتُمْ علي بأنْ أعطِيَ زَكَاةَ مالِي فَفَعَلتُ ، وَلَمْ يَبْقَ لكم إلا أن تأمروني بالسجود لِمحمَّدٍ ، فهذا قَصَصُ هذه السورة مُوجَزاً ، وقَرأَ نافعٌ والمفضَّل عن عاصم : ( لَوَوْا ) بتخفيف الواوِ وقرأ الباقون بتشديدِها .