قوله : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ الله لَوَّوْاْ رُءُوسَهُمْ } .
هذه المسألة عدها النحاة من الإعمال ، وذلك أن «تعالوا » يطلب «رسُولُ اللَّهِ » مجروراً ب «إلى » أي : تعالوا إلى رسول الله .
و «يَستَغْفِرْ » يطلبه فاعلاً ، فأعمل الثاني ، ولذلك رفعه ، وحذف من الأول ، إذ التقديرُ : تَعَالوا إليْهِ . ولو أعمل الأول لقيل : تعالوا إلى رسول الله يستغفر ، فيضمر في «يستغفر » فاعل .
ويمكن أن يقال : ليست هذه من الإعمالِ في شيء ؛ لأن قوله «تعالوا » أمر بالإقبال من حيث هو ، لا بالنظر إلى مقبل عليه{[56772]} .
قوله : { لَوَّوْاْ رُءُوسَهُمْ } هذا جواب «إذا » .
وقرأ نافع : «لَوَوْا » مخففاً{[56773]} ، والباقون مشدداً على التكثير .
و «يَصُدُّونَ » حالٌ ؛ لأن الرؤية بصرية ، وكذا قوله : «وهُمْ يَسْتَكبرُونَ » حال أيضاً ، إما من أصحاب الحال الأولى ، وإما من فاعل «يصدون » فتكون متداخلة .
وأتي ب «يَصُدُّون » مضارعاً دلالة على التجدُّدِ والاستمرارِ{[56774]} .
وقرئ{[56775]} : «يَصِدُّونَ » بالكسر .
وقد تقدمتا في «الزخرف »{[56776]} .
فصل في نزول الآية{[56777]}
لما نزل القرآن بصفتهم مشى إليهم عشائرهم وقالوا : افتضحتم بالنفاقِ فتوبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من النفاق ، واطلبوا أن يستغفر لكم ، فلووا رءوسهم أي : حرَّكُوها استهزاء وإباء . قاله ابن عباس{[56778]} .
وعنه أنه كان لعبد الله موقف في كل سبب يحُضُّ على طاعة الله ، وطاعة رسوله ، فقيل له : وما ينفعك ذلك ورسول الله صلى الله عليه وسلم عليك غضبان ، فأته يستغفر لك فأبى ، وقال : لا أذهب إليه .
قال المفسِّرون : «وسبب نزول هذه الآية أن النبي صلى الله عليه وسلم غزا بني المصطلق على ماء يقال له : " المُريْسِيعُ " من ناحية " قُدَيد " إلى السَّاحل فازدهم أجير لعمر يقال له : " جهجاه بن سعيد الغفاري " يقود له فرسه بحليف لعبد الله بن أبيٍّ ، يقال له : " سِنَانُ بنُ وبرة الجهنِيُّ " حليفُ بني عوفٍ من الخزرج على ماء " بالمشلِّلط فصرخ جهجاه بالمهاجرين ، وصرخ سنان بالأنصار فلطم جهجاه سناناً وأعان عليه جهجاه فأعان جهجاه رجل من المهاجرين يقال له : حقالٌ ، وكان فقيراً ، فقال عبد الله بن أبي : أوقد فعلوها ؟ والله ما مثلنُا ومثلهُم إلاَّ كما قال الأولُ : " سَمِّنْ كلْبَكَ يأكلْكَ " أما - والله - لَئِنْ رَجَعْنَا إلى " المدينة " ليخرجنَّ الأعزُّ منها الأذلَّ ، يعني محمداً صلى الله عليه وسلم ثم قال لقومه : كفوا طعامكُم عن هذا الرجل ، لا تنفقوا على من عنده حتى ينفضّوا ويتركوه ، فقال زيد بن أرقم - وهو من رهط عبد الله - أنت - والله - الذليلُ المنتقص في قومك ، ومحمد صلى الله عليه وسلم في عز من الرحمن ، ومودة من المسلمين ، والله لا أحبّك بعد كلامك هذا أبداً ، فقال عبد الله : اسكت إنما كنتُ ألعبُ ، فأخبر زيد النبي صلى الله عليه وسلم بقوله ، فأقسم بالله ما فعل ولا قال ، قال : فعذره النبي صلى الله عليه وسلم قال زيد بن أرقم : فوجدت في نفسي ولامني الناسُ ، فنزلت سورةُ المنافقين في تصديق زيد وتكذيب عبد الله ، فقيل لعبد الله : قد نزلت فيك آياتٌ شديدة ، فاذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليستغفر لك ، فألوى رأسه » فنزلت الآيات . خرجه البخاري والترمذي بمعناه{[56779]} .
وقيل : معنى قوله : { يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ } يستتبكم من النِّفاق ، لأن التوبة استغفارٌ { ورَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ } أي يعرضُون عن الرسول { وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ } أي متكبرون عن الإيمان{[56780]} .
قيل : قال ابن أبيّ لما لوى رأسه : أمرتموني أن أومن فقد آمنت ، وأن أعطي الزكاة من مالي فقد أعطيتُ ، فما بقي إلا أن أسجدَ لمحمدٍ .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.